علم فلسطين.. يجتاح العالم!!
بقلم/ د. مصطفى الزائدي
مع دخول الشهر الثامن من العدوان الوحشي البربري الذي تشنه عصابات الكيان على قطاع غزة المحشو بالسكان، ومع حجم الدمار الرهيب الذي أتى على كل بنيان في غزة وعشرات آلاف الأرواح التي أزهقت، والأطراف التي بترت، وملايين البطون الجائعة التي تهيم على وجهها بحثا عما يسدد الرمق، مع كل هذا صارت فلسطين عنوان الإخبار في كل العالم، ملخصه أن شعبا أعزل محاصرا منذ ما يزيد على ربع قرن يستطيع أن يواجه القوة العسكرية العالمية الأولى، المتمثلة في قوات عصابات الكيان وقوات الناتو والقوات الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية مجتمعة، فما يتعرض له قطاع غزة ليس عدوانا بسيطا من الجيش الصهيوني، ولكنه عملية عسكرية عالمية ضخمة لم يكن لها مثيل لا في الحرب العالمية الثانية ولا في الحرب على فيتنام ولا في حرب البلقان ولا حرب أفغانستان.
ففي هذه العملية العسكرية استخدمت كل وسائل التدمير والقيادة والسيطرة، من ذكاء اصطناعي وأقمار للتجسس والطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة والصواريخ العابرة والطائرات القاذفة من كل الأنواع بما فيها طائرات إف 35، وألقي حجم من الأطنان من المواد المتفجرة، لم يسبق أن ألقي على أي بقعة في العالم، في قطاع مساحته أقل من 360 كيلو مترا مربعا وعلى مدن بسيطة مكتظة بالسكان، وصحيح حجم الضحايا على ضخامته لا يتناسب مع حجم القنابل والصواريخ التي ألقيت، فالله السميع البصير خفف عن الفلسطينيين أضرارها وفتكها، وكانت بردا وسلاما عليهم، وتثبت عزائمهم على الصمود وإصرارهم على المقاومة.
من جانب آخر حرصت الماكينة الإعلامية والدعائية الغربية الممولة والمدارة من قبل المؤسسات الصهيونية التي تحكم العالم من وراء حجاب بسيطرتها على النفوذ بالمال وتجارة الإعلام، حرصت على تقديم ما يجري على أنه هجوم إرهابي على دولة مستقلة وحق الدولة في الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها وشعبها، ولم يتورع الزعماء الغربيون في ترديد تلك الدعاية رغم علمهم علم اليقين أن دولة إسرائيل ليست كيانا شرعيا، فهي بلا حدود معروفة فلقد خرقت قرار التقسيم الجائر واحتلت أراضي فلسطينية، وأن شعبها يقاس على أسس التمييز العنصري الديني والإثني، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن نفسها أنها دولة لليهود وليست لسواهم!
كما أن حكام الغرب لم يشيروا إلى حجم رد الكيان الصهيوني على عملية 7 أكتوبر فهو لا يتناسب إطلاقا مع تلك العملية، فدولة الكيان لم تبحث عن منفذي العملية كما تدعي، بل استهدفت سكان غزة، فقلبت قطاع غزة عاليه على سافله، وقتلت أمام مرأى ومسمع الناس عشرات الآلاف وشردت الملايين، ولم يتورع وزير دفاع الكيان في أن يعلن أمام العالم عن قطع الماء والكهرباء والغذاء على غزة كلها، وفي كل الأوقات كانت الإجراءات الإرهابية الصهيونية تتمتع برعاية من الدول المهيمنة على العالم!
ربما انطلت تلك الدعاية على الشعوب لوقت قصير، لكن سرعان ما انتبهت إلى الخطأ الذي وقعت فيه، فلقد ساهم الإعلام الشعبي الموازي في فضح الدعاية الصهيونية وكشف حقيقة ما يجري في قطاع غزة، لكونه إبادة جماعية ممنهجة للشعب الفلسطيني ليس إلا! ينفذ بصورة أبشع من تلك الصور التي مورست في القرون الماضية على شعوب أخرى، فانتفضت مدن العالم وخرج الناس في كل مكان تقريبا وخاصة في الدول الغربية، في مظاهرات يومية رفعت علم فلسطين وتوشح المتظاهرون بالكوفية الفلسطينية، وتصاعد الرفض الشعبي العالمي لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، وتبناه الطلاب في الجامعات، حيث انفجرت ثورة طلاب الجامعات في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الغربية غضبا على ما يجري في فلسطين، ورفضا لدعم دولهم الأعمى للعصابات الإرهابية الصهيونية، ونصبت خيم الاعتصامات في كل باحات الجامعات في أمريكا، يطالبون بأمر واحد بسيط وهو وقف الإبادة الجماعية في غزة، لكن من يستجيب لهكذا مطلب إنساني في زمن تسيطر فيه شريعة الغاب ومنطق القوة وعنوانه قهر الشعوب وشعاره الاستغلال؟
ودون أي احترام لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتبجح بها الغرب ويقيّمون على أساسها البلدان والكيانات السياسية والمجتمعية، تدخلت قوات البوليس المدججة بالسلاح وقنابل الغاز والدخان وتخوض معارك مستمرة ضد الطلاب لثنيهم عن مواقفهم، وهرع السياسيون المدعمون صهيونيا إلى تبني قوانين قاسية لمنع استمرار هذه الثورة الطلابية العالمية، باستخدام مصطلح معاداة السامية لصياغة قوانين إضافية لقمع أي مطالبات بوقف دولة الكيان عند حدها.
وهكذا تحولت مقولة معاداة السامية من شعار قصد به حرب النازية في القرن الماضي إلى شعار يعني حماية الصهيونية وإطلاق يدها وعدم مساءلتها وتحصينها ضد الملاحقات والعقاب مهما كانت شناعة وفظاعة الجرائم التي ترتكبها.
لكن علم فلسطين صار العلم الأكثر انتشارا في العالم تقريبا، فهو مرفوع في البيوت والميادين وباحات الجامعات ومواقع اللقاءات والمؤتمرات، مرفوع بشكل رسمي أو في مظاهر احتجاجية.