رقصة المغدور!!
بقلم/ عفاف الفرجاني
كنت قد دعيت برفقة العائلة إلى عشاء على متن باخرة في أحد شواطئ إسطنبول، حيث الأجواء العائلية والأسعار في متناول الجميع، فالمكان متواضع لا يشبه يخوت الأثرياء، وحدها أصوات الأمواج تلاطم جدران السفينة، المكان كان عربيا بامتياز حيث الدبكة والتنورة والغناء، كل المجاميع في العروض كانت من فئة الشباب التي وافقت أعمارهم عمر النكبة العربية، كانوا خليطا من البلاد العربية، من الشام والمغرب العربي وبلد الرافدين، هذا سهل استنتجه من خلال التحايا المقدمة لهم من الجمهور.
في الحقيقة كنت جاهلة بطبيعة المكان، فالعروض كانت عبارة عن تهريج وإسفاف واستعطاف وتسول، الجهد العضلي والعصبي كان واضحا على الشباب، فالعرض مهنة كل ليلة، ولقمة العيش لا تنتظر، هذه الباخرة ليست الوحيدة، هناك العشرات منها متراصة على مرفأ الميناء.
أخذني الشرود إلى ذلك التصريح الذي شدني ذات مرة وكان منقولا عن كاهن من محافظة حمص بسوريا التي تقطنها الغالبية المسيحية، وهو يذرف الدموع عن تراجع معدل أعداد الأطفال والشباب في بلدته وارتفاع أعداد المسنين، وأردف حزنا عندما حدد ميزانية الإنفاق والتي تصل إلى أكثر من 70 في المائة هي رعاية اجتماعية من ريع الكنيسة لهؤلاء المسنين، بينما كان جل الإنفاق على الأنوقالت (الإدارة الذاتية) والطفولة، وأشار إلى أن الحرب الأهلية هي من أوصلتهم إلى فرار الشباب بحثا عن حياة كريمة.
لا أريد أن أبعث طاقة سلبية في هذا الطرح، ولكن كل الطرق تأخذني إلى ذات النقطة، حتى الفتاة الصغيرة الجميلة البريئة في الصالون الذي صففت فيه شعري كانت عربية، السائق أيضا كان عربيا!!
السؤال الذي يطرح نفسه كم ستجني فرقة العروض الشبابية من مال في بلد تعاني أزمات اقتصادية وتردي الوضع المعيشي؟!
وأين المحرضون على اندلاع الفوضى من كل هذا البؤس الذي يعانيه الشباب العربي وهو يترنح بين مد أمواج الذل وجزر الخيبات؟!
ماذا لو لم يغرر بشباب سوريا من جماعة النصرة وغيرها؟ ماذا لو لم يطلب الرجعيون والخونة من أمريكا اجتياح العراق؟ ماذا لو بقيت تونس خضراء بشبابها مزدهرة؟ وماذا لو لم تتم المؤامرة الكونية على ليبيا ويحتلها الإنجليزي والإيطالي ليحشروا شبابها داخل قوارب الموت على شواطئ إيطاليا؟
هناك طريق إلى الرجعة، وما زال هناك أمل في عودة شبابنا إلى الحاضنة الأم إلى أوطانهم، فالحكومات العربية اليوم وبعد هذا التشرذم والضياع ولإثبات حسن النوايا هم قادرون على إنقاذ هؤلاء المشردين في العالم ومساعدتهم، فما فعلته القيادة في سوريا هو خطوة نحو معالجة الأزمة ولملمة الجراح بعد أن أصدرت في مطلع هذا العام بيانا بالعفو (يشمل جميع الفارين عن واجب الدفاع الذاتي، شريطة عدم تورطهم بأعمال إرهابية أو جنائية)، ومنحت بموجب العفو مدة 45 يوماً للفرار الداخلي، و90 يوماً للفرار الخارجي.
لا شك أن مخطط العدو هو إفراغ الأوطان العربية من أعمدتها “نواة وبناة المستقبل” لكي تنهار، والشباب هم أعمدة الأوطان، وعليه حسن النوايا يبدأ من هنا.