مقالات الرأي

الواقع العربي من غزة إلى طرابلس!!

بقلم/ ناصر سعيد

كشف مشروع الربيع العربي عن تراجع خطير في المنطقة العربية، تجلى في عجزه الواضح عن حماية شعب عربي أعزل يواجه أعتى وأشرس أعمال العدوان التي شهدها العالم، ويتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني في غزة وما يتعرض له من إبادة جماعية بواسطة العصابات الصهيونية المدعومة من القوى الاستعمارية الغربية، وما كان لذلك أن يتأتى لولا نجاح “مشروع الخريف العبري” وما أنتجه من سقوط للأنظمة العربية في مسلسل التطبيع الذي ملأ الفراغ بهيمنة صهيونية استراتيجية تحميها وتمولها أمريكا والدول الغربية النافذة في مجلس الأمن، حيث تحطمت مفاهيم السيادة وكسرت شوكة دول محور المقاومة، وأغرقت معظم الدول العربية في صراعات داخلية مستمرة جعلتها تتخلى عن واجبها العربي والإسلامي، وتتمسك بكل ما يجعلها تستمر في الحكم.


ومما لا شك فيه أن هذا هو الدور المرسوم للنخب السياسية المتصدرة للمشهد والتي أنتجها الخريف العبري، الأمر الذي أحدث فراغًا سياسيًّا وأمنيًّا وفكريًّا في المنطقة العربية، مما أتاح الفرصة لاستقواء ونهوض المشروع الصهيوني الذي ظهر واضحًا للعيان في 7 أكتوبر عبر العدوان على غزة، وهذا هو بالتحديد ما يطلق عليه في دوائر التخطيط الاستراتيجي الغربي مفهوم «الفوضى الخلاقة».
للأسف أصيبت الأمة العربية في مقتل حتى أصبح من الصعب تغيير العوامل الخارجية فانتهى الأمر بقبول الأوضاع الحالية، واعتبارها قدرًا لا مفرَّ منه، ولا حلَّ إلا الانتظار حتى تتغير الظروف الدولية، وتتبدَّل موازين القُوى العالمية، والاستسلام للضغوط الخارجية، وأصبحت نُظُم الحكم تابعةً للخارج، تتحالف معه كي تضمن استمرارها.. بينما تتكرر الإهانات واحدةً تلو الأخرى، فالمواطن أصبح بلا كرامة، والوطن بلا سيادة، والساحة العربية ملعبًا مفتوحًا تفعل فيها القوى الخارجية ما تشاء.
وعطفًا على الحالة الليبية، وكما ترك الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين يعاني ويلات الاحتلال والتهجير، فإن الشعب الليبي ترك وحده في مواجهة حالة كان المسؤول عنها بالدرجة الأولى التدخل الخارجي، كما أن الدول العربية التي وقفت تتفرج على المجازر التي يرتكبها الصهاينة في غزة هي ذاتها التي تخلت عن ليبيا بعد مساهمتها البغيضة في تدميرها.
ويتضح جليًّا أن ما قامت به بعض الدول العربية المتدخلة في ليبيا عام 2011 لا يعدو أن يكون مجرد دور مرسوم لها يجب أن تقوم به وفق تعليمات الغرب بعيدًا عن أوهام الديمقراطية وحقوق الإنسان.


كما أن الأمم المتحدة التي شرعنت التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا هي نفسها التي وقفت عاجزة متفرجة عن أعمال الإبادة الجماعية في غزة، واكتفت ببعض التصريحات التي تعبر عن الشجب والقلق وغيرها من التصريحات الجوفاء، كما أنها في الحالة الليبية دأبت عن إرسال مبعوثين أنيطت بهم مهمة إدارة وإطالة الأزمة عبر حوارات أساسها تقاسم السلطة بعيدًا عن القضايا الجوهرية، وفي ضوء تخلِّي الدول العربية ومعها المجتمع الدولي عن ليبيا يثار السؤال المهم والمتعلق بكيفية خروج ليبيا من محنتها التي وجدت نفسها وحيدة فيها؟


ونرى في هذا الصدد أنه يجب أولًا إبعاد الأطراف الدولية عن المشهد الليبي، ومَرَدُّ ذلك فشل الأمم المتحدة في حل الأزمة من ناحية، ومن ناحية أخرى التخوف من أن تتحول ليبيا إلى ساحة للصراع الدولي وتصفية الحسابات بين الدول الكبرى.


وهذا الأمر يتطلب أيضًا خلق واقع مجتمعي جديد تسهم فيه النخب الوطنية، ويعتمد على العمل الميداني المباشر والتظاهر السلمي لدعم الحلول الوطنية الخالصة.

زر الذهاب إلى الأعلى