موسم تجارة الأوهام!
بقلم/ مصطفى الزائدي
يكثر الحديث هذه الأيام عن تشكيل حكومة موحدة جديدة تتولى إدارة مرحلة انتقاليّة أخرى لتجهيز الأرضية لإجراء انتخابات شاملة.
يقول الإخوة السودانيون “كلام جميل ولكن غير معقول”!
الحديث عن الحكومة الجديدة متواصل طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، بعد أن انتهت ولاية الحكومة المشكلة بالرشوة “وفقا لما أُشيع وقت تشكيلها وما ينشر من معلومات ووثائق الآن” برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في ظروف مشبوهة بعملية مسرحية أشرفت عليها ستيفاني وليامز، وصورها الإعلام على أنها حدث ديمقراطي فريد!
لقد تشكلت تلك الحكومة لتكوين توافق وطني يعالج الانقسام السياسي الذي أنتجه اتفاق الصخيرات المشؤوم بين من لا يملكون من أمرهم شئيا، ولتحل محل حكومة المفوضين التي ترأسها فائز السراج، وحكومة البرلمان التي ترأسها عبدالله الثني، واقتصرت مهمتها حسب اتفاق جنيف على إنجاز انتخابات عامة قبل نهاية عام 2021!، لكن شيئا لم يتحقق، فلا الانتخابات أجريت ولا حكومة واحدة تكونت وحلت محل الحكومتين، بل عاد الأمر إلى ما كان عليه، ففقدت الحكومة شرعيتها وعادت إلى إدارة الدولة بترتيبات مالية، وعم الفساد بشكل لا نظير له، واضطر مجلس النواب إلى التوافق مع مجلس الدولة على تشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا تستمر الآن برئاسة أسامة حماد، لكنها لم تنل اعتراف الدول الغربية المهيمنة على الشأن الليبي.
لم يمض وقت طويل على تشكيل تلك الحكومة الجديدة حتى بدأ الحديث عن وجوب تشكيل حكومة ثالثة، تجبُّ حكومة الرشاوي التي تشكلت في جنيف وحكومة توافق مجلس الدولة ومجلس النواب، وتعمل على إجراء الانتخابات، التي تحولت لتصبح الجزرة التي يلوّح بها الغرب لليبيين.
فراجت تجارة الترشح لرئاسة الحكومة المنتظرة، وظهرت قوائم المترشحين وازداد عددهم، وتقاطروا فرادى وزرافات على سفارات الدول المتنفذة، ولم يستحوا من ادعاء حصولهم على دعم هذه الدولة أو تلك!
وتيرة الدعاية حول الحكومة الجديدة ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى وفقا للظروف السياسية المحلية والدولية، تماما كما تتغير وتيرة الاشتباكات المسلحة بين الجماعات الميليشياوية التي استولت على السلطة في مناطق مهمة من ليبيا وسخرتها لخدمة أهداف من تدور في فلكهم من الدول المهيمنة، فتارة تنشب حربا واسعة لساعات أو لأيام وتارة أخرى يكتفون بنشاط رمزي بالأسلحة الخفيفة والثقيلة!
هذا التزامن بين الصراع المسلح بين المجموعات المختلفة والحديث المحموم على الحكومة الجديدة، يعكس اضطراب الحالة الليبية.
من الناحية الواقعية لا مصلحة للأطراف المسيطرة على المشهد في تشكيل حكومة جديدة، فكلٌّ سيخسر قدرا من نفوذه في أي وضع توافقي جديد، ومن جانب آخر لا توجد ضمانات ولا حتى مؤشرات بأن حكومة الأمر الواقع ستسلم السلطة إلى أي حكومة جديدة إلا اذا تكونت منهم هم! وعلى العكس لا تزال تعلن رفضها الشديد وتؤكد أنها لن تسلم السلطة إلى حكومة منتخبة هم يعلمون علم اليقين أنه لا انتخابات في المدى القريب ولا حتى البعيد!
السؤال: هل فكرة تشكيل حكومة جديدة مطلب ضروري وعاجل؟
وهل يمكن إيجاد آلية عملية مقبولة من كل الأطراف لتشكيل تلك الحكومة؟
وهل ستلتزم أي حكومة تتشكل بأن يقتصر عملها على تهيئة الظروف لإجراء انتخابات عامة فقط؟
لست متشائما، ولكنني أرى أن الإجابة بالنفي القاطع هي الأقرب إلى المنطق والواقع لكل تلك الأسئلة، فالمعطيات الموجودة على الأرض لم تتغير بما قد يشير إلى تغير جوهري في تفكير الدول المسيطرة والمتنفذة على الساحة الليبية، ولم يحدث تغيير في ارتباطات الأطراف المحلية بتلك الدول الأجنبية يسمح بتحرر ولو جزئي للقرار الليبي!
القاعدة في تشكيل أي حكومة لن تخرج من إحدى فرضيتين، إما أن يشكلها مجلس النواب بتوافق مع مجلس الدولة، أي أن يتكرر سيناريو تشكيل حكومة فتحي باشاغا الفاشلة، أو أن تشكلها الدول النافذة من خلال عملية ديكورية مماثلة لتشكيل حكومة طريق السكة الفاسدة، الذي قد يحدث هو إضافة حكومة جديدة وليس حكومة بديلة! الفرضيتان لا يسهل تحقيقهما في الوقت الراهن، فحالة الصراع الدولي الساخن لن تسمح للدول الغربية النافدة بأن تنفرد بقرار تشكيل لجنة حوار تنفذ من خلالها أجنداتها السياسية، ومن جانب آخر لا أتصور أن مجلسي النواب والدولة سيغيران من آلياتهما في التعامل مع تشكيل حكومة جديدة!
لذلك لا يمكن وفقا لهذه المعطيات أن تتشكل حكومة تجري انتخابات في زمن قريب، خاصة أن لا أحد يطرح موضوعات جوهرية قبل الانتخابات الافتراضية، من قبيل هل نظام الدولة، جمهوري رئاسي أم برلماني، مركزي أم لا مركزي؟
وبعيدا عن نظرية المؤامرة يمكنني القول: لا جديدة في الأمر، سيبقى الحال على ما هو عليه، وكل هذا الضجيج مجرد حلقة من مسلسل الإلهاء للشعب الليبي حتى يكظم غيظه على معاناته الاقتصادية والأمنية، فكان لا بد من بيع الأوهام!
إنه موسم تجارتها الرائجة!