مقالات الرأي

أبريل موسم الثورات الطلابية

بقلم/ ناصر سعيد

لم يكن من السهل تجاهل حجم القتل والدمار في غزة، والمشاهد المرعبة التي هزت العالم، فليس من السهل تجاهل جثة طفل ميت بين ذراعي أمه، وليس من السهل تجاهل الجياع وهم يتدافعون بحثًا عن غطاء عندما يتعرضون لإطلاق النار، وليس من السهل إزالة الحطام بعد تعرض قافلة من شاحنات المساعدات الغذائية لإطلاق النار ومقتل العديد من الفلسطينيين وعمال الإغاثة، وسقوط أكثر من مائة ألف بين قتيل وجريح.

هكذا تابع العالم وخاصة طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلك المجازر التي وصفت بالإبادة الجماعية بمساعدة وتحريض من الإدارة الأمريكية، مما دفع طلاب الجامعات الكبرى والعريقة في أمريكا للخروج في احتجاجات واسعة تنديدا بالحرب الظالمة على غزة، لم تتوقف تلك الاحتجاجات والمظاهرات حتى امتدت إلى عديد الجامعات، ووصل الأمر إلى إقامة مخيمات اعتصام، مما استدعى تدخل الشرطة الأمريكية التي مارست العنف على المتظاهرين وكأنهم في ساحة حرب في جامعة كولومبيا إحدى أهم جامعات النخبة على الصعيد العلمي في الولايات المتحدة.

هذه الاحتجاجات أعادت إلى الأذهان موجة المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة، أواخر ستينيات القرن الماضي وما تلتها من سنوات.. فقد اعتصم طلاب الجامعات الأمريكية، في أكثر من مرة ومناسبة، داخل الحرم الجامعي أو خرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب، رفضًا لقضايا مختلفة، مثل حرب فيتنام 1968، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أو للمطالبة بحقوق أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية التي ساهمت في إنهاء التمييز ضد الأمريكيين من أصل إفريقي، وفي أحيان أخرى حملوا مطالبات التغيير في قضايا ترتبط بسياسات جامعاتهم ونظامها التعليمي، وكان لبعض تلك الاحتجاجات، تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأمريكي عامة، كما كانت محطة فارقة في مسار النضال من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، وطالت تداعياتها أيضًا عمل وسياسات الجامعات الأمريكية.

تعود أشهر الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت بالولايات المتحدة إلى 23 أبريل 1968، وذلك في أعقاب سيطرة أكثر من ألف طالب في جامعة هوارد التي تدرس بها غالبية من الطلاب ذوي الأصول الإفريقية على المبنى الإداري، وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الجامعة، وبتركيز المنهج التعليمي للجامعة على تاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة، ورفض العنصرية المستمرة في المجتمع الأمريكي.

وفي وقت مبكر من صباح يوم 30 أبريل 1968، تدفق حوالي 1000 شرطي من مدينة نيويورك، إلى الحرم الجامعي، واستخدموا العصي ما أدّى إلى إصابة أكثر من 100 شخص، وتم القبض على أكثر من 700 شخص في ذلك اليوم.

لقد أصدر طلاب الجامعات التي اندلعت فيها الاحتجاجات دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب.

إنّ ما يجري في الجامعات الأمريكية هو انتفاضة ضد النفوذ الصهيوني في أمريكا ومعركة حقيقية، قد يكون لها تداعيات مستقبلية جوهرية، على الانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل، وعلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية في نهاية العام الحالي، وقد تؤسس لإعادة النظر في سياسات أمريكا الخارجية في دعم حفظ الأمن والسلام.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى