الاجتماع التشاوري لدول “تونس وليبيا والجزائر” بين الاتهامات ولملمة الجراح
تقرير – سيد العبيدي
في الوقت الذي تمر فيه العلاقات بين الجارتين المغاربيتين الجزائر والمغرب بتوترات سياسية بسبب “قضية الصحراء” عقد أمس بدعوى من الرئيس التونسي قيس سعيد الاجتماع التشاوري الأول بين دول “ليبيا وتونس والجزائر” بحضور رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وذلك في ظل غياب دولتين أساسيتين ضمن دول المغرب العربي وهما “المغرب وموريتانيا”.
ويأتي الاجتماع في ظل حالة من الجمود السياسي بين المغرب وتونس إلى جانب الأزمة السياسية في ليبيا والتوتر القائم في دول الساحل والصحراء بسبب التدخلات الخارجية والتحديات المرتبطة بقضايا الأمن والحدود والهجرة غير الشرعية.
ويرى مراقبون أن الاجتماع قد يكون بادرة حسنة للملمة الجراح وانفراجه نحو الحل السياسي في ليبيا ونوة لاستكمال الاتحاد المغاربي المتوقف منذ تأسيسه وأن يقدم حلولا جذرية للأزمات والتحديات التي تمر دول المغرب العربي، سيما قضايا الأمن والهجرة غير الشرعية والتدخلات الخارجية في شؤون منطقة الساحل والصحراء، فيما اتهمته وسائل إعلام مغاربية بأنه يعمق للانقسام بين دول المغرب العربي، وكان من الضروري انعقاده على مستوى “القاعدة الخماسية” التي أسس عليها الاتحاد المغاربي.
البيان الختامي
وبحسب البيان الختامي، انتهى الاجتماع بالتأكيد على الأهمية البالغة لتنظيم هذا اللقاء والحفاظ على دورية انعقاده بالتناوب بين الدول الثلاث للإرتقاء بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تربط كل بلد بالآخر إلى مرحلة نوعية جديدة تتعدى الإطار الثنائي إلى التفكير والعمل الجماعي”.
كما شدد الاجتماع على أهمية الإدراك المشترك بضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة كلها، وتعزيز مناعتها لا سيما مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة وفارقة، لم يعد بإمكان أي دولة مواجهة تداعياتها بمفردها.
وأكد الاجتماع على أن هناك حاجة ملحة لأن يكون للدول الثلاث صوت مسموع وموحد وحضور مؤثر وفاعل في مختلف فضاءات الانتماء الإقليمية والدولية”.
وذكر الاجتماع استعداد قادة تلك على الانفتاح التام على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم ذات الأولويات المشتركة البناءة في دفع هذا العمل الجماعي المشترك خدمة للأمن والاستقرار بالمنطقة والنأي بها عن التدخلات الخارجية”.
أهداف الاجتماع
وضمن الأهداف المعلنة لهذا الاجتماع، التمسك باستقرار القرار الوطني والحرص على إقامة علاقات مع الدول الأخرى في إطار الاحترام المتبادل، كذلك التمسك بنظام دولي متعدد الأطراف والأقطاب، على ألا يقتصر هذا الاجتماع على الملفات السياسية فحسب بل يشمل كل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تطلعاتها في الاستقرار والتكامل.
كما جاء ضمن أهداف الاجتماع التشاوري رفض التدخلات الخارجية في الشأن الليبي ودعم الجهود الرامية إلى التوصل إلى تنظيم الانتخابات بما يحفظ وحدة الدولة الليبية وسلامتها الترابية ويضمن أمنها واستقرارها مع التأكيد على الدور المحوري للدول المجاورة لليبيا في دعم السلطات في دعم مسار عودة الاستقرار، كما دعا الاجتماع إلى وقف التدخلات الخارجية في منطقة الساحل والصحراء وخطورة تبعاتها على السلم في دول المنطقة والعالم، وعلى ضرورة دعم أمن واستقرار دول المنطقة.
وتم الاتفاق على “تكوين فرق مشتركة من أجل تنسيق الجهود لتأمين الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية”، و”وضع مقاربة تنموية لتنمية المناطق مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة”، و”تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية (الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر)، و”التعجيل بتفعيل مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثلاث”.
المغرب: الاجتماع يشق الصف
وفي السياق اتهمت وسائل إعلام مغربية الجزائر بمحاولة “تشكيل تحالف مغاربي ضد المملكة” واعتبرتها “مناورة من الجزائر حتى لا تبدو أنها معزولة وسط جيرانها”.
من جهته دافع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن هذا الاجتماع التشاوري بين الدول الثلاثة، معتبرا أنها مبادرة تأتي لملء الفراغ الحالي بين دول المغرب العربي، خاصة أن اتحاد المغرب العربي الذي أنشئ قبل 35 سنة “في الإنعاش” و “لا يقوم بأي نشاط”، على حسب وصفه.
الاجتماع فخ جزائري
ويرى مراقبون أن الاجتماع”يزيد الطين بلة” خاصة وأن هناك حالة من الجمود السياسي بين تونس والمغرب وكان يجب على السلطات التونسية أن تُبادر لإصلاح ذات البين مع المغرب باعتبار أن الخطأ الذي تسبب في تأزيم هذه العلاقات كان صادرا من الدولة التونسية.
وبخصوص محاولة الجزائر استغلال حالة الجمود الدبلوماسي هذه من أجل دفع العلاقات بين الرباط وتونس إلى مزيد من التأزيم وتوريط بلاده في مستنقع عدائها للمغرب، أكد المراقبون أن الجزائر تُحاول توريط الدولة التونسية بهكذا مبادرات ولم تتخل هذه الدولة يوما عن استراتيجية إقصاء المملكة المغربية، ونحن في تونس واعون بطبيعة هذه المساعي ونرفض أن نصبح جزءا من استراتيجية الهيمنة العميقة التي تتبناها القيادات العسكرية في الجزائر.
وأشار المراقبون إلى أن حالة الأزمة التي تعيشها تونس منذ أكثر من سنتين، يمكن أن تستدعي استفادة الحكومة من بعض المساعدات الجزائرية، لكن أن يصبح هذا الأمر هيكليا أو نقع في هذا الفخ وفي هذه الحسابات، فهذا أمر مرفوض ونحن يقظون تجاهه.
مصير الاتحاد المغاربي
يذكر أن اتحاد المغرب العربي الذي أسسته ليبيا في مراكش سنة 1989 سعيا إلى تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية بين المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا، على شكل الاتحاد الأوروبي، مازالت مؤسساته قائمة حتى اليوم ولايوجد ما يلغيه لكنه يشهد ركود نتيجة الخلافات، سيما بين المغرب والجزائر.
وبعد بدايات موفقة وأنشطة كثيفة، جمد كل شيء بسبب التوتر المستمر في العلاقات بين الرباط والجزائر وخصوصا بسبب النزاع في الصحراء الغربية. ولم يتم عقد أي اجتماع قمة منذ 1994.
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة يسيطر المغرب على 80% من مساحتها، لكن جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر تطالب بالسيادة عليها. وتعتبرها الأمم المتحدة من بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.