إلى الأمام
وهم التوافق الوطني!!
بقلم / مصطفى الزائدي
الخطاب المسيطر على ألسنة كل من السياسيين الليبيين والأجانب، والشعار السائد على الساحة الليبية هو إنجاز توافق وطني ليبي يؤدي إلى تشكيل سلطة واحدة تتولى إدارة الدولة في مرحلة انتقالية تمهيدا لإجراء انتخابات شاملة تنتج وضعا دائما مستقرا وثابتا، فطيلة السنوات الماضية تمحور العمل السياسي في ليبيا حول هذه الفكرة الوهمية، بما فيها جهود ما يسمى المجتمع الدولي من خلال بعثة الأمم المتحدة أو بالتدخل المباشر للأطراف الغربية النافذة بالملف الليبي، فكل الجهود تركزت على محاولات إطلاق حوار بين المجموعات الليبية المتصدرة للمشهد بهدف معلن هو الوصول إلى اتفاق بينها حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية والوسائل المناسبة للدخول في المرحلة الدائمة.
ولعل من أبرز المحطات ما جرى بعد انتخابات 2014 التي لم يتمكن فيها الطرف السياسي المرتبط بالتدخل الأجنبي عام 2011 وهم الجماعات الإسلامية من تحقيق فوز يمكنهم من إدارة السلطة، الأمر الذي قادهم إلى ما عرف بالمقاطعة ومن ثم حوار المقاطعين ومجلس النواب الذي تطور عن خبث إلى ما عرف بـ حوار الصخيرات، وأنتج إعادة الحياة إلى المؤتمر الوطني السابق بتسميته الجديدة المجلس الأعلى للدولة، وبالرغم من كمية الورق والجهد والمعلومات والتفصيلات والملاحق فيما سمي الاتفاق السياسي في الصخيرات والجهود التي بذلها الكتبة الدوليون المختصون من دوائر الاستخبارات الغربية الذين صاغوا بنوده إلا أنه بقي حبرا على ورق ولم ير النور، ذلك أنه بني على توافق مسرحي بين أطراف لا يمتلكون شيئا على الأرض بالرغم من امتلاكهم سطوة السلاح، لكنهم لا يمتلكون القرار الذي ظل بيد الدول الغربية النافذة، فبمجرد إعلان الاتفاق دخلت بعثة الأمم المتحدة في ماراثون جديد من الحوارات تطور إلى خديعة المؤتمر الجامع التي استمرت في المطبخ لمدة سنتين وأنتجت طبخة جنيف الغريبة وتمخضت عن ولادة السلطة الحالية القائمة منذ ثلاث سنوات.
هل يمكن في بلد مقسم ومحتل عمليا أن يحدث توافق بين أطراف ليبية لا تملك شيئا من أمرها؟ وهل مسرحيات البحث عن التوافق تمت بين أطراف حقيقية تعبر عن مشروعات جدية، يمكن البحث في صياغة متوازنة بينها؟
أطروحة التوافق الوطني الليبي مجرد وهم يبيعه الغرب لليبيين ليستمر الحال على ما هو عليه!
يتضح ذلك جليا بمراجعة مسيرة الحلول السياسية من 2014 إلى اليوم.
المهم في الأمر أن كثيرا من الليبيين ما زالوا يعتقدون أن توافقا بشكل ما، وبقدر ما، يمكن أن يتحقق في أي وقت من الأوقات!
دون الإجابة عن السؤال، توافق بين من ومن؟ هل هو توافق جهوي أم قبلي أم أيديولوجي أم سياسي أم كل ذلك؟
الذين يتصدرون المشهد الليبي لا يمثلون جهات واضحة ولا قبائل محددة ولا يمتلكون مشاريع سياسية مختلفة، ولا هم جماعات أيدولوجية تستند إلى أيديولوجيا واضحة، فالجماعات الإسلامية الأيديولوجية نظريا هم مجرد جماعات تستخدم الإسلام للاستقطاب ليس إلا، وهي مختلفة ومتصارعة ولا تحمل مشروعا أيديولوجيا واحدا، ولا الجماعات الليبرالية موضوع أيديولوجي ولا سياسي، فكل مقوماتها ارتباطها بهذه الدولة أو تلك!
سيقول قائل وما البديل عن التوافق الوطني؟
الإجابة الأولى التي تتبادر إلى الذهن هو التوافق الدولي، أي توافق الأطراف المتداخلة في الشأن الليبي نتيجة للعملية العسكرية في 2011 التي أسقطت نظامها السياسي وتولت إدارتها من الناحية العملية والقانونية! لكن وبالنظر إلى تصاعد الصراع الدولي بين الأطراف المختلفة في السنوات الأخيرة فإن فكرة التوافق الدولي أصبحت مستحيلة، خاصة بعد صعود المعامل الروسي، وتطور الصراع في شمال أوروبا.
البديل في تصوري لا يخرج عن أمرين الأمر، الأول أن تحسم المعركة الدولية في شمال أوروبا وفي الشرق الأوسط والبحر الأحمر لمصلحة أحد أطراف الصراع ليتمكن من التفرد ثانية بالسيادة على العالم، وهذا أمر صعب لو استمرت الحرب بالشكل التقليدي!
الأمر الثاني هو تمكن قيادة وطنية ليبية بشكل ما من فرض نفسها على المشهد الليبي ومن ثم بناء التوافق الوطني حولها وحول مشروع الحل، وهذا يتطلب وجود قيادة لها مشروع واضح ومقبول يمكن البناء عليه لإعادة تأسيس الدولة على أسس ديمقراطية حقيقية، ووجود آلية مناسبة تمكن تلك القيادة من تقديم مشروعها وتؤمن عدم عرقلة الأطراف الدولية المتدخلة في الشأن الليبي له!