حكم العسكر!
بقلم/ مصطفى الزائدي
يكرر رئيس الحكومة المعين من قبل بعثة الأمم المتحدة عبد الحميد الدبيبة رفضه لحكم العسكر!
وأتصور أنه لا يدرك معنى، لا لحكم العسكر، وإنما يردد دون وعي شعارًا رفعته مجموعات سياسية كجزء من حملة دعائية مبرمجة وممنهجة لتخريب البلدان الوطنية المستقلة، ونراه متجسدًا في المشروع الجاري تنفيذه في ليبيا منذ 2011.
من المنطقي التساؤل: هل اللجنة الشعبية العامة التي ترأسها صاحب الفضل على عبدالحميد الدبيبة الدكتور البغدادي المحمودي هي حكومة عسكرية؟ وبنفس المنطق هل يمكن أن نطلق على الحكومة الليبية التي شكلها مجلس النواب والتي يترأسها حاليا الدكتور أسامة حماد حكومة عسكرية؟
فلا شك أن دبيبة يقصد حكومة حماد بكل ما ورد في خطابه!
يحاول دبيبة أن يغمز فيما يقول إلى وجود جيش قوي سواء قبل 2011 أو في المنطقة الشرقية والجنوبية حاليًا يشكل مظلة وحماية ورعاية للجان الشعبية العامة سابقًا والحكومة الليبية حاليًا، محاولًا إيهام الناس بأن وجود هذا الجيش هو نوع من الحكم العسكري، رغم أن الجيش سواء قبل 2011 أو اليوم في المنطقة الشرقية والجنوبية لا يتولى مهام إدارة الدولة، بل يقوم بواجبات لتأمين الوطن والمواطن، فللحكومات العسكرية أنماط معروفة وآليات محددة، نموذجها في حكم بينوشيه لتشيلي وفرانكو لإسبانيا، والمجلس العسكري في النيجر اليوم.
السؤال البديهي الذي يتغاضى عنه الدبيبة هو: بماذا يسمى حكومته التي تعمل برعايته وحماية وتوجيه المجموعات المسلحة المنفردة؟ هل هي حكم مدني؟
إن من يطرحون شعار (لا لحكم العسكر)، لا يقصدون به ما يحاول دبيبة استخدامه من أجله، فهم جماعة سياسية تعتقد في ديمومة السلطة من خلال مفهوم ولاية الأمر المستدامة، والتي تستوجب السمع والطاعة المستمرة دون جدل ولا نقاش، فرغم حديثهم المبطن عن تداول السلطة هم في الواقع يدعون علنًا لفكرة الخلافة، باعتبارها سلطة سياسية بمفهوم ديني، وفي نفس الوقت تتيح انتقالًا سلسًا من ولي أمر إلى آخر بالتوارث، وكل الأدبيات السياسية لتلك الجماعة، تتحدث عن هذا المفهوم دون غيره، فهم لا يؤمنون بدور الأفراد والشعوب في الحكم، وهذا الفهم للسلطة لا يختلف إطلاقًا على فهم الكنيسة في القرون الوسطى للحكم! دور البابا في توحيد السلطة الملكية والسلطة الكنسية، فأما البابا فهو من يصنع الملك أو الملك هو من يخلع القداسة عن البابا، وفي كلتا الحالتين فإن سلطة الملك مستمدة كليًّا من سلطة الكنيسة، هذا التصور بتصرف ونسخ بلغة إسلامية ما نجده في أدبيات تلك الجماعات.
هذا المفهوم لا شك يتعارض مع وجود مؤسسات للدولة، وللتذكير فإن من أول أساسيات وجود الدولة المستقلة هو قوة المؤسسة العسكرية والأمنية التي تحمي حدودها وتؤَمِّن مواطنيها، وفي حالة انتفاء هذه القوة العسكرية والأمنية فإن الدولة تتلاشى وتستبدل بالفوضى، وهو ما نجد له في الحالة الليبية نماذج تطبيقية واضحة، لا لحكم العسكر لا تعني إطلاقا عدم السماح للعسكريين بإدارة الدولة، بل تعني حقيقتها، لا لوجود جيش ومؤسسة أمنية، ومن يرفع هذا الشعار إنما يدعو إلى عدم إقامة الدولة بوعي أو بدونه، وبالتأكيد رئيس الحكومة المفروضة من الخارج لا يرغب في إقامة الدولة لأن إقامتها ببساطة يعني خروجه من المشهد! لذلك لن يتورع عن استخدام أي شعار يمكنه من البقاء!
في الغرب الديمقراطي الدولة المدنية النموذجية التي يحاولون تصديرها للعالم في أغلب الأحيان تقاد من عسكريين محترفين ضباط جنرالات، ولو فتشنا في قوائم قادة تلك الدول سنجد أعدادًا كبيرة منهم عملت في السلك العسكري لسنوات طويلة، فلا لحكم العسكري لا يعني أبدًا ألَّا يسمح للعسكريين بتولي مهام إدارية تنفيذية أو تشريعية، وهذا ما يحاول السذج أن يروجوا له تحت هذا الشعار الملوث!
حقيقة السلطة في ليبيا قبل 2011 كابر من رغب في المكابرة كانت ديمقراطية وشعبية إلى حد كبير جدًّا، ربما ليس بالقدر النموذجي المأمول، ولكن مقارنة بما يجري اليوم في ليبيا فالفرق جد شاسع، فمن يتعسف بوصف تلك الفترة بأنها حكم عسكري كاذب ومخادع، وكذلك الحكومة اليوم في المنطقة الشرقية والجنوبية أكثر ديمقراطية نسبيًا من السلطة الموجودة في المنطقة الغربية، فهي بلا شرعية منتهية الولاية والصلاحية، عينت بطريقة فيها استخفاف بعقول الشعب، لذلك فإن الشعار الحقيقي الذي ينبغي أن ترفعه النخب السياسية في ليبيا اليوم، هو لا لحكم الفوضى والفساد والعبث!