مقالات الرأي

أيادينا عمَّرت.. وأياديهم هدمت

بقلم/عفاف الفرجاني

أثناء زيارتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية وتحديدًا إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، راودني الفضول لزيارة العاصمة الرياض بعد ما أخذت الحكومة السعودية قرارًا بمنح تأشيرات سفر سياحية لقاصدي بيت الله، العاصمة كانت مدينة مستحدثة جميلة ونظيفة عكس مكة المكرمة كمدينة وليس حَرَمًا، حيث البناء العشوائي وضآلة الاهتمام بالبنية التحتية، حالها حال باقي المدن التي مررنا بها في الرحلة.

أخذني هذا إلى ليبيا التي عانت الكثير في تاريخها المعاصر من أزمات سياسية إلا أن اقتصادها ظل على وتيرة متوازية، مقارنة بدولة دخلها يعد بالمليارات في مواسم الشعائر الدينية غير النفط، فعلى سبيل المثال لا الحصر في تسعينيات القرن الماضي واجهت الدول المصدرة للنفط أزمة عالمية ومن ضمنها ليبيا والسعودية، حيث وصلت أسعار النفط إلى 12 دولارًا للبرميل حسب مصادر منظمة أوبك.

ليبيا رغم الحصار المفروض عليها من أمريكا ودول العالم لم تتأثر أسعار المحروقات ولا حتى أسعار السلع الأساسية التي كانت تصل برًّا، ولم يعانِ الشعب الليبي الفقر وقتها، بينما هناك دول ومنها السعودية حاولت حكوماتها أخد عدد من التدابير، ومنها رفع سعر البنزين، ورسوم استهلاك الكهرباء والماء، وأسعار تذاكر الرحلات المحلية، ورسوم تأسيس خط الهاتف الجديد، ورسوم التأشيرات وتصاريح العمل، وقد أدت تلك التدابير إلى زيادة الإيرادات غير النفطية لتخطي هذه الأزمة.

هذا يجرنا إلى الماضي الذي عاشته ليبيا والحاضر الذي تعيشه الآن، التدخل الدولي والعربي في الشأن الليبي وفي شؤونه الداخلية أنتج الفوضى السياسية والأمنية بحجة أن ليبيا كقيادة كانت غير مهتمة بالمواطن الليبي وأن هناك اضطهادًا وانفرادًا بالموارد الاقتصادية، وأن ليبيا تعاني تخلفًا حضاريًّا… الخ ليكون ذريعة لتدمير البلاد، وهذا ما دحضته المرحلة الراهنة بعد أن فقد الليبيون أمنهم الاقتصادي من خلال استغلال القوة الدولية لمواردهم لتبقى ليبيا في حالة شتات وتشرذم.

أنا كمواطنة ليبية لا يعنيني ما تعانيه جل مدن السعودية من عدم اهتمام بالبنية التحتية وعدم توفير استحقاقات اقتصادية مقارنة بدخلها من السياحة الدينية ودخلها من البترول، وهذا حقيقة فاجأني، ولكن لا أملك حق النقد، ما بالك بتأجيج الرأي العام كما فعلوا هم وباقي الدول العربية وعلى رأسهم الجامعة العربية للاقتصاص من ليبيا حكومة وشعبا وقتها، بالعكس أنا مواطنة عربية مسلمة اليوم سعدت كثيرًا بما وصلت إليه العاصمة الرياض من تطور عمراني وأمن واستقرار كونها واجهة يعول عليها السعوديون لدعم السياحة، ولكن آلمني وأحزنني موقف أشقائنا السعوديين حينها، وهم الذين كانوا لنا الأقرب تاريخيا، كيف هانت عليهم القبيلة والمدينة والعروبة والقومية وبشكل عام هم لا يختلفون كثيرا عن مواقف الحكومات العربية الأخرى، فالأزمة الليبية المدعومة دوليًّا على ليبيا شكلت موقفًا غير مسبوق لمعظم الدول العربية لخروجها المفاجئ عن نهجها المألوف، بل كان استثناء وصل بطلب تدخل الحلف الأطلسي الكافر الذي استباح السماء والأرض، ليعيش الليبي بعدها هذا الوضع المزري، بعد أن عانقت إنجازاته من التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عنان السماء.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى