مقالات الرأي

وانتهت ألف جمعة دون دعاء

بقلم/أحمد المغربي

كنا يوما -وليسامحنا الله- نقول إن علينا ألَّا نكتفي بالدعاء، ولكن لا بد من إعداد العدة متمثلين بقوله تعالى “وقل اعملوا..” وبقول العامة “ساعد عمك عبدالسلام بحبيل”، لكننا اليوم حتى الدعاء عجزنا عنه، يسربه خطيب الجمعة في ثنايا حديثه عن وجوب إخراج زكاة الفطر قمحا أو شعيرا أو تمرا، وضمن عشرات الأدعية بأن يولي علينا خيارنا ويحفهم بالبطانة الصالحة ويرزقنا الذرية (طبعا ليست القنبلة لا قدر الله) ويفرج هم المكروبين وينصر فلسطين ويقضي دين المديونين.

سيدي يرحمكم الله قد قرأت لك يوما أنه لن يحارب حزب التحرير الإسلامي لأن أولوياته هي تنصيب خليفة والدعاء له “اللهم انصر خليفة المسلمين رئيس حزب التحرير الإسلامي، وبارك في ذريته وأزواجه واجعلهم خلفاء من بعده”، وإذا توعك وجب فرضا أن يدعى له بالشفاء من وعكته في جميع مساجد العالم الإسلامي.

أعلمكم سيدي أن الحال لم يتبدل بل زاد سوءًا، فلا يزال الإخوان مشغولين بكفر عبدالناصر حسب كتب كبارهم وحسب النكت المروية عن الشيخ كشك، ولا يزال تفسير سيد قطب زادا الهندي الأصل في ظلال القرآن هو سيد التفكير، ولا يزال هذا لا يحارب مع ذاك لأنهم لا يتفقون في حكم إخراج الزكاة قمحا أم نقودا، ولا يزال القومي يختلف مع الإسلامي لاختلاف آرائهم في أشخاص غادروا هذه الدنيا كما اختلف الأولون هل علي أحق أم معاوية، وإذا أثبتنا حق علي أو حق معاوية فكيف ننصب صاحب الحق ملكا أو خليفة وقد مات منذ ألف عام!

لا عبدالناصر صاحب شعار لا تفاوض ولا سلام ولا من حاول اغتياله ليسوا معنا اليوم وهم أمام ربهم يحاسبون. سيدي أنت نفسك قد بح صوتك وأنت تحذر من قطار الموت ولكنك اليوم في شغل عن هذا ودنيتنا نحن المسؤولون عليها ولن يجدي نفعًا أنصارك أن يشمتوا بالآخرين لأن القطار لا يزال يدهس أنصارك وأعداءك على حد سواء، من كان يصدق ما تقول ومن كان يعتبرك مجنونا بنظرية المؤامرة وأن مصر غير مستهدفة وشمال إفريقيا بعيد وأن الخليج لا يعنيهم إلا بقدر ما يخرج من نفط.

سيدي الجميع مستهدف وها هي غزة تخبرك فيها المقاوم وفيها من كان مبتهجا باتفاقيات السلام كلهم أصابتهم القنابل الصهيونية، لم يعد حوارنا عن دولة نشأت من خرافة وأسطورة دينية فأصبحت حقيقة، بل هناك الكثير من الخرافات ستكون غدا واقعا وما زلنا مشغولين عنها ببناء أبراج جديدة في مكة لاستقبال المعتمرين وملاهٍ في الرياض لاستقبال زوار الليل.

سيدي لم يرفع تنظيم الدولة الإسلامية حجرًا واحدًا ليصطاد به عصفورا في سماء القدس، ولكنه جاهد وقطع الرؤوس في حبيبتك بنغازي وتزوج من سبايا العراق، بل وذهب ليفجر سوقا في موسكو أثناء الحرب على غزة، وذاك كان ديدنه، ألم يحارب الكفار الروس في أفغانستان ليمكن الأشد كفرا الأمريكان من رقابنا.

سيدي وعلى مر التاريخ كلما تحالف معنا أحد لمناصرة قضيتنا بحثنا عن ماذا نختلف معه لنرفض نصرته، فعندما حاربت الفصائل الفلسطينية وقفنا ننظر لهم بعين الريبة لأنهم علمانيون، بل وفيهم نصارى، وعندما فجر يابانيون أنفسهم شغلنا أنفسنا بأن مصيرهم جهنم، وعندما دعمتنا المنظومة الشيوعية تعبقرنا وقلنا لا بد أن لهم مآرب أخرى، بل حاربناهم في أفغانستان، واليوم في غزة ننظر لهذا المقاوم أو ذاك أنه ملتح ولا بد أنه تكفيري أو إخواني، مع أن المقاومين هم كل الغزاويين وبكل توجهاتهم نحن فقط نبحث عن ذريعة نواري بها سوءتنا.

سيدي لا نحتاج إلى البنج في مستشفيات البلاد العربية، يمكنك أن تفتح قلب أي مواطن عربي وتضع بدلا عنه حجرا ولن يشعر بأن شيئا تغير.. نحن شعب يعيش حالة تخدير مزمنة.

سيدي كل ما استطاع العالم فعله هو جلب بعض البطاطين والدقيق ليتفرغ العدو للقتال ولا يشغل نفسه أمام الرأي العام العالمي بتفسير كيف يموت الأطفال جوعًا.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى