مقالات الرأي

المعلومات الاستكشافية أمن دولة.. وثروة النفط ملك الأجيال

بقلم/ محمد جبريل العرفي

ثروة النفط ليست للأحياء فقط، ويجب أن تقر سياساته وتتابع بأعلى مستوى بالدولة، وألا تتجاوز المؤسسة دور المشغل، وأن ندعمها بالخبراء وألا تترك للمشبوهين ومحدودي الخبرة

في حملة “مرة أخرى نعود” نشرنا سلسلة مقالات منها “النفط بين الخوف منه والخوف عليه” و”احرقوا النفط تنقذوا الأمة” لأن النفط جلب الأطماع وأفسد الأخلاق، أمريكا الريجانية استهدفت الصناعات النفطية لأنه عصب الحياة، واستهدفت الخطوط الليبية لأنها ترفع شعار الدولة.

وفي 2011 كان الغاز هو السبب الرئيسي لغزو ليبيا بما فيها انقلاب القطريين نتيجة عقد الغاز مع (توتال)، واليوم الصراعات الدولية على النفط والغاز، والمافيا على تهريب المشتقات.

كان سقف مستهدفاتنا، التلييب، والتعريب، والصناعات البتروكيميائية، والسيطرة على أخطبوط الشركات الخدمية النفطية، وتوحيد شبكة الأنابيب النفطية، ومعيارية قطع الغيار، وترشيد الاستيراد، وزيادة الاحتياطي، وغيرها من الطموحات التي تلاشت بعد 2011.

أولى الكوارث تمكين الأجانب من الوصول إلى المعلومات الجيولوجية بفعل الفاسدين، مع أنها تعد من أسرار الدولة، لأن حجم الاحتياطي النفطي يمنح الدولة وزنا سياسيا، فكثير من الدول فقدت أوزانها السياسية بنضوب مكامنها مثل المكسيك، وتسريب المعلومات عن القطع الاستكشافية يضعف الموقف التفاوضي للدولة، أمام الشركات الأجنبية، ويعد جريمة وخيانة يعاقب عليها القانون، أذكر أنه في التسعينيات تم اتهام موظف بتسريب معلومات سطحية من دراسة ساميزية أدت بصاحبها إلى السجن والطرد من الوظيفة.

الموضوع الثاني زيادة القدرة الإنتاجية، كان متوسط إنتاجنا في السبعينيات 3 ملايين برميل يوميًا، ثم انخفض ليستقر عند 1.6 مليون، الأوبك بتسويق 1.2 مليون و400 ألف تُكرر محليًا.

زيادة القدرة الإنتاجية ممكن تحقيقها بثلاث وسائل، اثنتان منها آمنتان؛ وهما تحديث وصيانة البنية التحتية القائمة، وربط الاستكشافات الصغيرة والجديدة، والثانية الاسترداد الإضافي بتوظيف تقنيات جديدة لاستخراج النفط من المكامن التي قاربت النضوب، المعروف (عالميا) لا يمكن إنتاج أكثر من 20% من نفط المكمن، لكن التطور العلمي أنتج تقنيات ومعدات جديدة يمكن بها رفع هذه النسبة.

أما الوسيلة غير الآمنة فهي زيادة مستوى الضخ من الحقول القائمة مما يرهق المكامن ويدمرها ويقصر أعمارها، أي أنه يزيد الإنتاج لكنه يدمر المكامن، هذا السلوك تنتهجه الشركات الأجنبية في غياب الرقابة، زيادة الإنتاج قرار سيادي كان يقر في أعلى مستويات القطاع وبعد دراسات عميقة بلجان فنية.

الموضوع الثالث زيادة الاحتياطي النفطي، وهو تحقيق استكشافات جديدة تساوي على (الأقل) ما يتم إنتاجه من النفط، وذلك حفاظا على حقوق الأجيال القادمة من ثروة بلادها. كانت أجراس الإنذار تقرع بشدة إذا زاد حجم الإنتاج عن الاستكشافات الجديدة، أذكر أنه في لقاء ليلة رمضان قال المرحوم البوعيشي اللافي: “لو استمر هذا المنوال من الإنتاج والاستكشاف فسيأتي يوم ولن تجد وقودا لسيارتك الواقفة خارج هذه الخيمة”. زيادة استكشاف مناطق نائية وأعماق كبيرة، يحتاج إلى استثمارات واستدعاء شركات كبيرة تملك خبرة نفطية وليست شركات قزمية لدول غير نفطية، وإجراء مسابقات شفافة على القطع الجديدة، ويحتاج إلى شجاعة وتحمل مسؤولية المخاطرة، لأن النسبة العالمية هي بئر واحدة منتجة من كل ثلاث آبار يتم حفرها، ولهذا الاستكشاف أول ضحايا تخفيض الميزانيات.

الطامة الآن هو فتح التفاوض الثنائي الدكنوني على حقول منتجة واستكشافات محققة، بدلًا من المزايدات المفتوحة، أي أن السياق الحالي سيفرط في الاستكشافات المحققة ولا يضيف استكشافات جديدة، ليبيا كانت رائدة في فن التفاوض مع الشركات النفطية وأجبرتها على تخفيض حصتها، واستعمل (حزب الكنبة) معادلات (ابسا) العادلة بكفاءة، أما الآن فنلاحظ الرضوخ أو (التآمر) مع الشركات الأجنبية لزيادة حصصها، والمثال الصارخ هو حقل الحماده (NC7) الذي أدى إلى إيقاف وزير النفط من قبل الرقابة، لحرصه على إنفاذ قانون النفط، فأصبح عقبة أمام تمرير الصفقات المشبوهة، مبرر رئيس الرقابة: “أنه متهم بعدم عرض الاتفاقيات النفطية على الجهة التشريعية”، مع أنها اختصاص مجلس الوزراء وفق قانون النفط، الذي يسعى رئيس المؤسسة جاهدًا لتعديله لفتح ثغرات للانفلات، وجند لذلك أكثر من عشرين نائبًا، لولا الموقف الوطني لمجلس النواب، الذي اعتمد سياسة تأجيل البت في التشريعات الاستراتيجية إلى المرحلة الدائمة، كما حذر مجلس النواب سفراء الإمارات وفرنسا وتركيا لدى ليبيا ببطلان أي اتفاقية تبرمها حكومة الدبيبة بحقل الحماده، والنائب العام أصدر أوامر في نفس السياق تلبيةً لدعوة مجلس النواب للجهات الرقابية والقانونية للتصدي لما يحدث من نهب ثروات البلاد وعقد صفقت مشبوهة.

الموضوع الرابع الصناعات البتروكيميائية كنا نسعى لتطوير مجمع راس لانوف ليصل إلى 350 منتجا فرعيا وإذ بنا نرى توقف هذا النهج، والانتكاس للتفريط في القائم منها كمصفاة راس لانوف.

الموضوع الخامس أخطبوط الشركات الخدمية الأجنبية، فرغم أنه نشاط أمني لا يمكن حفر شبر في هذه الأرض بدونه، ورغم أن فاتورة الخدمات تشكل 45% من تكلفة إنتاج البرميل، فإنه نشاط تسيطر عليه الشركات الأجنبية التي تمارس الاحتكار والابتزاز والتجهيل والاستغلال، بينما الشركة الوطنية الوحيدة مهددة بالتصفية.

ثروة النفط ليست للأحياء فقط، ويجب أن تقر سياساته وتتابع من أعلى مستوى بالدولة، وألا تتجاوز المؤسسة دور المشغل، وأن تُدعم بالخبراء الذين أمضوا جذوات أعمارهم بالقطاع، وألا تترك لخونة أو عملاء مزدوجي الولاء، أو فاسدين أو محدودي الخبرة، أو المتورمين بالمحاصصة، أو المنفلتين منتهكي التشريعات السارية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى