مقالات الرأي

ما بعد طوفان الأقصى!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏ينشغل العالم اليوم بأحداث غزة والتطورات المؤسفة في فلسطين وإزهاق مئات آلاف الأرواح من الأبرياء، جلهم من الأطفال والنساء، وعاد الحديث مجددا عن القضية الفلسطينية، عن خلفياتها وأسبابها وأفق حلها.

لقد تأسست دولة لليهود في فلسطين نتيجة قرار من هيئة الأمم المتحدة مررته بريطانيا قسَّم فلسطين إلى دولة لليهود وأخرى فلسطينية، لكن بريطانيا التي كانت تستعمر فلسطين منذ نهاية الحرب العالمية الأولى مكنت اليهود من إعلان الدولة اليهودية من طرف واحد وعملت على اعتراف بعض دول العالم بها، كما شجعتها ودعمتها في شن حرب خاطفة عام 1948 مكنتها من ضم الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وهجرت الفلسطينيين من ديارهم عنوة، وفي عام 1967 شنت عدوانا آخر احتلت فيه بقية الأراضي الفلسطينية، ورغم صدور قرار من الأمم المتحدة بإدانة العدوان والمطالبة بالعودة إلى حدود 4 يونيو 1967 فإن الدولة اليهودية المدعومة من الغرب رفضت ذلك وأعلنت القدس عاصمة لها، وأنشأت آلاف المستوطنات في الأراضي الفلسطينية وفشلت كل محاولات الأمم المتحدة لإجبار إسرائيل على احترام القوانين الدولية.

شكل الصراع العربي الصهيوني بؤرة توتر في المنطقة امتدت طيلة 75 سنة منذ إعلان الدولة اليهودية إلى الآن، وأوجدت حالة عدم استقرار مستمرة، الأمر الذي عرقل مشروعات التنمية الوطنية وهدد المصالح السياسية والاقتصادية لمختلف دول العالم، وجعل المنطقة ساحة للصراع وتقاسم موقع النفوذ بين الأقطاب العالمية.

حاولت عديد الدول المساعدة في البحث عن حل للقضية الفلسطينية من خلال الاعتماد على قواعد عادلة للتعايش بين كل من يسكنها، ووضع حد لعمليات تهجير اليهود من دول مختلفة للاستيطان في إسرائيل وتهجير الفلسطينيين من ديارهم إلى دول أخرى أو إبادتهم كما تفعل الآلة الحربية الصهيونية في غزة. وفشلت محاولات البحث عن حلول موضوعية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتؤدي إلى الهدوء والاستقرار في المنطقة لأن الدول الغربية المهيمنة على القرار الدولي تعرقل كل المبادرات الموضوعية وتحاول فرض الدولة العنصرية الصهيونية في المنطقة بقوة السلاح باعتبارها قاعدة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط وكخط دفاع أمامي ضد التجمعات السياسية والاقتصادية التي تتكون في شمال وشرق آسيا، ولوضع حاجز أمام التطور الصيني والروسي والإيراني على حد سواء وعزلهم عن التواصل مع بقية دول العالم، ومع التأكيد على أن إقامة دولة صهيونية عنصرية هو خطر على المنطقة العربية أدى إلى منع توحيدها وعرقل بناء دول وطنية مستقرة متطورة، لكنه أيضا أداة الغرب لمنع ظهور أقطاب أخرى تنافس القطب الواحد المسيطر على العالم، ومنع قيام المجموعات السياسية والاقتصادية التي تتشكل لتحقيق توازن سياسي واقتصادي على المستوى الدولي.

لقد روج الغرب لعدة أطروحات خادعة وغير عملية للحل من ضمنها أكذوبة حل الدولتين! دولة يهودية مدججة بكل أنواع السلاح، وصورة دولة فلسطينية مملوءة مستوطنات ومنزوعة السلاح وخاضعة للدولة اليهودية.

وهو طرح لم يتقدم رغم ما صاحبه من دعاية وما يستند إليه من قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتفاقيات الصورية التي جرت لعقود ومنها اتفاقية أوسلو التي نرى نتيجتها اليوم في هذه الجولة الجديدة.

إن حجم التضحيات الذي يقدمها الفلسطينيون في معركة طوفان الأقصى، تفرض على العالم إعادة النظر في أطروحاته السابقة لحل القضية الفلسطينية، وأن يفكر السياسيون خارج الإطار الموصوف من قبل الغرب، وأن تناقش القضية الفلسطينية من أساسها.

حل الدولتين الذي يروج له، ربما كان ممكنا وصالحا عام 1948، أما الآن فهو مستحيل ومجرد خداع لإبقاء الوضع على ما هو عليه، فالحروب المتتالية والمذابح التي ارتكبها اليهود في حق الفلسطينيين، وحجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون إلى اليوم، وكذلك التغيير الديمغرافي الواسع الذي نشأ عن الاحتلال، ووجود ملايين الفلسطينيين في المهجر، وحجم المستوطنات في الضفة والقطاع، وعدد الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين ما قبل 48 يجعل ذلك الطرح الساذج مستحيلا!!

يضاف إلى ذلك تعنت العدو الصهيوني وإصراره على رفض مجرد التفكير في طرح إقامة دولة فلسطينية حتى وإن كانت شكلية ومنزوعة السلاح!!

الحل الجذري للقضية الفلسطينية يكمن في أن ينجح الفلسطينيون في فرض واقع جديد وتحرير فلسطين بالقوة من المغتصبين من النهر إلى البحر، وهذا متاح من وجهة النظر التاريخية، فقوة الكيان وبقاؤه ناتجة فقط من قوة الغرب الداعم لوجوده! ولو تغيرت موازين القوى الدولية فلن يكون هذا الدعم الغربي المطلق للدولة اليهودية العنصرية متوفرا.

البديل للحسم العسكري الحلول التوافقية العادلة من خلال التفكير في بناء دولة واحدة ديمقراطية يتعايش فيها الفلسطينيون واليهود سلميا بحقوق متساوية وفرص متكافئة، دولة منزوعة السلاح تتيح عودة كل فلسطينيي المهجر، وتدار بتوافق بين المجموعات الدينية “مسلمين، يهودا، مسيحيين” والمجموعات الإثنية المتعددةً” العرب والأشكيناز والدروز وغيرهم من الأصول التي ينتمي لها اليهود المهاجرون إلى فلسطين”.

زر الذهاب إلى الأعلى