مقالات الرأي

‏منافذ النهب العام!!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏مع زيادة معاناة الناس المعيشية من ندرة للسيولة في المصارف وفي الجيوب، والارتفاع الجنوني للأسعار وزيادة أسعار الدولار دون مبررات اقتصادية ولا مالية، وانهيار الخدمات العامة بشكل شبه كلي وازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، مما اضطر الليبيين المحترمين الذين كانوا معززين مكرمين لأن يقفوا في طوابير طويلة ينتظرون سلال قطر الغذائية ومِنح المنظمات الدولية والجمعيات المشبوهة وما تقدمه من أطعمة فاسدة في معظمها، مع كل ذلك لا يتورع المتصدرون للمشهد في استعراض غطرستهم واستهتارهم بالشعب، وتتفيه مؤسسات الدولة ونهب مقدراتها، وتحويلها إلى ما يشبه حظيرة متسخة، وما شهدته مدن الغرب الليبي من تحركات استفزازية ترهيبية للمجموعات المسلحة في هذه الأيام إلا جزء من حملة غربية ممنهجة، يراد بها كسر إرادة الناس وقتل روح الأمل فيهم وتحويلهم إلى مجرد كائنات حيوانية تبحث عن الطعام والشراب حتى في روث حيوانات أخرى، ولا تهتم بالعِرض والوطن.

وما جرى في الحدود الغربية من معارك بالسلاح والكلام بين المجموعات الميليشياوية إلا حلقة من تلك السلسلة التي عنوانها أن الدولة الليبية والعدم سواء! وأن العبث الممنهج والمتصل هو سيد الموقف!
فماذا نحن فاعلون؟ هل ننتظر مع المنتظرين ونحلل مع المحللين ونترقب المستقبل القاتم الزاحف نحونا؟
هذه الأحداث في واقع الأمر أخطر على ليبيا من أي أحداث أخرى، بما فيها تدخل الناتو العسكري في ليبيا الذي كان عدوانًا أجنبيًّا بالسلاح، دعمه بعض الليبيين ربما لقناعة بأن تغييرًا ما ينبغي أن يحدث، لكن أكثرية الشعب تصدت له، وقدمت أرواحًا طاهرة، وبذلت دماء زكية في سبيل مقاومته، أما اليوم فلا يوجد عدوان أجنبي واضح يمكن التعامل معه، ولا حتى البحث عن تبريرات له، فمن يتحرك مجرد بيادق أو مخلوقات آلية في أشكال بشرية لا يعقلون ولا يعلمون ما يفعلون، أما العدو الحقيقي فهو مستتر يوجه الأحداث ويمتص خيراتنا امتصاصا وينهب أموالنا علنًا، ويستبيح أرضنا ودون قيد أو شرط، ولم تمنع ذكرى طرد القواعد الأجنبية من ليبيا ذلك الحدث التاريخي الأهم فيها منذ قرون، لم يمنع أولئك من أن يمعنوا في الاستهتار بالوطن لا يدركون أن للشعب دائما كلمة وإن طال الزمن!

‏أتصور أن كثيرين حاولوا أن يفهموا أسباب الأحداث الغامضة التي جرت بدون مقدمات في طرابلس الأيام الماضية، هل وجدت شبهة انقلاب عسكري لطرف من أطراف الصراع على الآخر؟ هل كان رئيس الحكومة يخطط لإقصاء محافظ المصرف بالقوة، أم أن المحافظ هو من نجح في تحريض بعض الميليشيات لشق عصا الطاعة عن الرئيس ربما لصعوبة دفع “الصريرات”، أم أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، ويدور حول السيطرة على صالة للركاب مؤقتة بنيت في مطار طرابلس العالمي سابقا! وتجري محاولات لإعادة تشغيله؟ هل كل ما في الأمر هو سباق للسيطرة قبل التشغيل لتجد كل جماعة مسلحة موضعًا لها في إدارة المطار تتمكن من خلاله من تسخيره كمورد للمال دون ضوابط؟ يقول أحد “كبار التوار” الذي كان يدير المطار في الماضي، إن المطار أهم من ثلاث وزارات! وأتصور أنه يقصد بتلك الأهمية في كونه موردًا ميسرًا لجمع الأموال، فربما في الوزارات يكون النهب متاحًا لكنه يحتاج إلى بعض الإجراءات المعقدة والصعبة أحيانًا لتغطيته، كما يتطلب بعض الاحتياطات!

أما في المطار والميناء وأي منفذ بري، فالحال أيسر بكثير، التهريب وما أدراك ما التهريب، والإتاوات الخاصة وما أدراك ما الإتاوات، إضافة إلى الرشاوى بكل أنواعها، وفعلًا يبدو أن هذا الأمر ربما يكون أحد أهم أسباب التحركات العسكرية المكثفة الليالي الماضية والحشد المتسارع لآلاف الآليات العسكرية المسلحة في شوارع طرابلس وفي المنطقة المحيطة بالمطار والطرق المؤدية إليه، وهذا أيضًا ما تسبب في تلك الأزمة في رأس جدير، فميليشيا مسلحة من زوارة مستفيدة من المنفذ، وليس سكان زوارة ولا أهل زوارة، الميليشيا المسيطرة على منفذ راس جدير الحدودي تستفيد ماديًّا، وحسب المعلومات تحسب المبالغ التي تجمعها في اليوم بالملايين وليس بالمئات، ولذلك لا يمكن أن تستغني بسهولة عن هذا المنجم الذهبي الذي لا ينضب، فحشدت قوتها ومارست الدعاية، ولم تتورع في استدعاء العصبية القبلية ولا الاستنجاد بالسفراء لدعم موقفها، وهذا أيضًا سبب الصراع المستعر في مطار مصراتة بين الميليشيات المختلفة وكذلك في مطار معيتيقة أيضًا.

أما ميناء الخمس وميناء طرابلس فالأمن مستتب نظرًا إلى سيطرة ميليشيات منفردة دون أن ينازعها أحد!
‏أتصور أن السيل قد وصل الزبى فعلًا، وأن استمرار الصمت وانتظار الحلول من الأعداء مساهمة في المؤامرة على ليبيا، فالصمت يصبح جزءًا من الجريمة عندما يكون بديلًا للتصدي والمواجهة باللسان على أقل تقدير!

الدعوة إلى الشباب الليبي أن ينهضوا فما ينهب هو ثرواتهم وما يستباح هي أملاكهم وما يدمر هو دولتهم التي سيعيشون فيها وستضم أبناءهم وأحفادهم في المستقبل إن نجحوا في الحفاظ عليها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى