كفاءة الإنفاق الحكومي السبيل الوحيد للاستدامة المالية
بقلم: عثمان يونس
توالت خلال الفترة القريبة الماضية التصريحات المتضاربة والاتهامات المتبادلة بين مصرف ليبيا والحكومة في طرابلس، بشأن الوضع الاقتصادي للدولة الليبية في ظل انخفاض قيمة الدينار الليبي وارتفاع أسعار السلع في الأسواق وزيادة التضخم، وارتفاع قيمة الدين العام الذي تجاوز 100% من إجمالي الدخل العام السنوي، والعجوزات المتوقعة على حجم الإنفاق خلال العام الجاري، الأمر الذي يهدد بالالتجاء إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية، وما يترتب عن ذلك من إجراءات قسرية سيكون تأثيرها كبيرا على المواطن في حال استمر هذا النزيف وتضخم حجم الإنفاق الحكومي غير المبرر، الذي يمثل السبب الرئيسي في معاناة الليبيين منذ العام 2011 والموجه لبنود استهلاكية صرفة عدا النهب والسرقات التي أضعفت قدرة الميزانية العامة على تقديم أيسر الخدمات للمواطن.
إن كفاءة الإنفاق الحكومي لا تعني تقليل النفقات العامة أو التبذير في النفقات والمشتريات الحكومية، بل تعني النظر في مقدار حاجة المجتمع إلى المشروعات المختلفة والمفاضلة بينها على أساس ما يحققه كل منها من منفعة جماعية، ثم إقرار كمية وتوقيت الإنفاق على هذه المشروعات، كما أننا لا يجب أن نغفل عن أهمية الإنفاق الحكومي في تحفيز الابتكار والإنتاجية في الأسواق المحلية، وتأثيره الإيجابي على الاقتصاد، وهنا أيضا لا ندعو لتقليل الإنفاق لمستويات ما قبل 2011 لتجنب الانكماش الاقتصادي، ولكن الدعوة للترشيد وإيقاف هذا التسرب في موارد الدولة وما يترتب عن تضخيم الكادر الإداري والإنفاق الكارثي على البعثات الدبلوماسية بالخارج التي تتجاوز 140 بعثة دبلوماسية!! بحجم إنفاق يتجاوز 2 مليار دولار!
إن المأزق الذي يعانيه الاقتصاد الليبي لا يمكن معالجته بقرارات ارتجالية جلها يعتمد على تحميل المواطن نتائج عجز الحكومات وإلزامه بدفع فاتورة الفساد المنتشر في جميع أركان مؤسسات الدولة التنفيذية والرقابية والتشريعية دون استثناء، وكفاءة الإنفاق الحكومي ربما تعد هي السبيل الوحيد المتبقي للاستدامة المالية، وتحقيق نتائج ملموسة، مع ضرورة التركيز على الاستثمار عالي الجودة المحفز للنمو في البنية التحتية ورأس المال البشري، مع مواصلة وتيرة الإنفاق الاجتماعي الموجه جيداً من خلال آليات وأنظمة تمنع التسريب وتضمن توجيه الخدمة لمستحقيها لتعزيز مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص.