مقالات الرأي

السلطة المختصة بالتأديب

أسماء الفسى

تختلف تشريعات الدول بشأن تحديد الجهة المختصة بتأديب ومساءلة موظفيها، فهناك دول تمنح هذا الاختصاص التأديبي للسلطات الرئاسية، بينما دول أخرى ذهبت لإنشاء مجالس تأديبية خاصة، تنحصر مهمتها في إيقاع الجزاء التأديبي المناسب على الموظف المخالف، وحيث إن للنظام التأديبي ثلاثة أنظمة للتأديب وهي النظام الرئاسي والنظام القضائي والنظام شبه القضائي، وفي القانون الليبي أخذ المشرع بالنظام شبه القضائي، وذلك من خلال تشكيل مجالس للتأديب تكون مهمتها محددة على سبيل الحصر وتنحصر في التحقيق مع الموظف العام المخالف وتطبيق العقوبات المناسبة لتلك المخالفات المنسوبة للموظف.

كما تنقسم المجالس التأديبية في القانون الليبي إلى مجلس تأديب عن المخالفات الإدارية الذي تم تنظيمه وفقا لقانون علاقات العمل رقم 12 لسنة 2010 وقانون إدارة الفتوى والتشريع (إدارة القانون حاليا) رقم 6 لسنة 1992م، كذلك هناك مجلس تأديب عن المخالفات المالية الذي تم تنظيمه وفقا لقانون إنشاء هيئة الرقابة الإدارية رقم 20 لسنة 2013م، ويثور التساؤل عن الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن مجالس التأديب. 

وفي قراءة للتشريع الليبي في تشكيل مختلف المجالس التأديبية المشار إليها أعلاه يتضح كما أشرنا سابقا إلى أنه أخذ بالنظام شبه القضائي في مجال التأديب، حيث أكد ترجيح العنصر الإداري على العنصر القضائي في عضوية مجالس التأديب، وبالتالي يثور التساؤل حول الطبيعة القانونية للقرارات التأديبية التي تصدر عن هذه المجالس التأديبية، فهل تعتبر قرارات إدارية أم أحكاما قضائية أم هي مختلطة بين الإدارية والقضائية؟ 

من خلال تتبع واستقرار الفقه والقضاء المقارن نجد أنه قد استقر على أن مجالس التأديب بداية هي جهات إدارية ذات اختصاص قضائي حالة كون أن هذه المجالس تشكيلها ليس قضائيا بحتا وإنما يشترك فيها عناصر إدارية هي لجان إدارية وأن عملها المنوط بها هو عمل قضائي، فهي بذلك ذات اختصاص قضائي، وبالتالي فإن القرارات التي تصدر عن هذه المجالس تعتبر قرارات إدارية أخذا باعتبار المعيار الشكلي الذي يعتد بصفة الجهاز أو الجهة الصادر عنها القرار دون النظر إلى طبيعته أو فحواه. أيضا يمكن اعتبار قرارات هذه المجالس قرارات قضائية أي أحكاما استنادا إلى المعيار المادي الذي يعتمد في تكييف القرار على مضمونه وطبيعته الذاتية بغض النظر عن الجهة التي أصدرته.

أخيرا.. فإن المتتبع لأحكام المحكمة العليا في هذا الخصوص يلاحظ أنها لم تتخذ معيارا محددا في بداية الأمر، غير أنها استقرت على أن المعيار الفارق بين القرار الإداري والقرار القضائي هو الجهة التي أصدرت القرار، فإذا كانت إدارية اعتبر القرار إداريا، ولا ينظر إلى طبيعة العمل الصادر عنها هل هو عمل إداري أم قضائي، إذًا القرارات الصادرة عن مجالس التأديب المختلفة هي قرارات إدارية تأديبية ولا يغير من كون هذا الوصف قرارا إداريا المصطلحات التي تستخدم في المحاكمة التأديبية مثلا أو إخضاع رئيس وأعضاء المجلس لما يخضع له لرجال القضاء من حيث أسباب التنحي والرد.. على سبيل المثال.

ـ وإلى هنا نكون قد اختتمنا السلسلة الثانية من إضاءات قانونية حول المساءلة التأديبية للموظف العام، وإلى لقاء آخر في سلسلة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى