مقالات الرأي

بازار المصالحة!

بقلم/ مصطفى الزائدي

اجتماعات وزيارات مدفوعة الثمن تجري منذ سنوات للتحضير لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية!!

وعندما اقترب الموعد الذي تحدد عشوائيا انسحبت أطراف مهمة من البرنامجالذي يشرف عليه المجلس الرئاسي بغطاء من الاتحاد الإفريقي، لأنهم أدركوا أن ما يخطط له مجرد عمل دعائي ووسيلة للكسب المالي!

المطلوب في ليبيا مصالحة مجتمعية يتمكن من خلالها الليبيون من تجاوز آثار الفتنة لتأسيس دولة مستقرة يتعايش فيها الكل بنفس الحقوق والواجبات، وليس مصالحة وطنية يراد منها تقاسم ليبيا كغنيمة!

الاستقرار والأمن والمساواة لا تتحقق إلا من خلال دولة وطنية قوية مستقلة تديرها مؤسسات تقاد من قبل مخلصين يكلفهم الشعب ويراقبهم، وهي أيضا ضرورة لتجاوز الآثار المدمرة التي نتجت عن العدوان على ليبيا والعبث المحلي الذي مارسه الإرهابيون والمجرمون.

إن المصالحة لا يمكن أن تكون مشروعا شكليا منفصلا عن مخططات إعادة بناء الدولة، ولن تنجح إلا بوجود دولة ذاتمؤسسات وطنيةمتينة قادرة على أن تتحمل تكلفة المصالحة سواء فيما يتعلق بالالتزامات القانونية الضرورية التي ينبغي اتخاذها تمهيدا لهاأوتحمل الأعباء المادية لجبر الضرر ورد المظالم.

المجتمع الدولي “الدول الغربية المهيمنة”يريد أن تكون المصالحة إحدى الوسائل التي يتمكن من خلالها من إطالة أمد الأزمة واستمرار نفوذه، فقسم المصالحة إلى نوعين، الأول يتعلق بتقاسم السلطة بين الأطراف المهيمنة على المشهد بدعم منه، والثاني مصالحة شكلية وهمية نجح وضعها كحلقة مفرغة تدور داخلها الأطراف دون إمكانية الوصول إلى نقطة نهاية.

الأطراف الجادة في الدعوة إلى المصالحة وإعادة بناء الدولة الذين أوهموا من خلال وجود رعاية إفريقية والهالة الإعلامية بأن بصيص ضوء قد يظهر في آخر النفق، أدركوا أن الهدف الحقيقي من المشروع عرقلة الدخول في الاستحقاق الأهم، وهو بناء الدولة وتحرير القرار الوطني الليبي وتأمين الاستقلال.

من جانب آخر نجح المجتمع الدولي في ترويض الإتحاد الإفريقي بفعل صغار الموظفين فيه لتمرير المخطط الذي اختزل دوره في رعاية شكلية لمشروع وهمي مشبوه، رغم موقفه الواضح القوي إبان الأزمة عام 2011 حيث شكل لجنة رفيعة المستوى للتعامل أفشلها الغرب، لكونه طرفا ليس ذا مصلحة خاصة في ليبيا.

للأسفابتلع الاتحاد الإفريقي طعم مخرجات لجنة حوار جنيف غير الشرعية بكل المقاييس وقدم غطاءً للمجلسالرئاسيكراعٍ محايد للمصالحة الوطنية وهو في شكله ومضمونه طرف من أطراف الصراع وجزء من سلطة الأمر الواقعالحاكمة في طرابلس.

وهكذا في أجواء تآمرية على الشعب الليبي طرحت فكرة مؤتمر للمصالحة الوطنية، مع علم الجميع بما أسلفنا حول المصالحة في شكلها ومضمونها، وتشكلتلجنة تحضيرية من طرف واحد تقريبا وحضور من بعض الأطراف التي دعيت لإضفاء نوع من المشروعية الشكلية عليها.

في مرحلة الخطابات لا يختلف الناس على شكل المصالحة، لكن عندما يحين وقت العمل تظهر النوايا الحقيقية،اللجنة التحضيريةاتفقت على بعض القضايا البديهية والمبدئية للشروع في مؤتمر المصالحة، من ضمنها عدم القبول بما نتج بعد 2011 من إجراءات وترتيبات فرضت من طرف واحدوبقوة التدخل الأجنبي، وأيضا الإفراج عن المعتقلين ظلما من قبل الميليشيات، وثالثا إعادة الاعتبار للشهداء من كل الأطراف، واعتبار كل ضحايا الأحداث التي حصلت من 2011 شهداء من الناحية القانونية، لأنهمن الناحية الواقعية الشهيد من عدمه، علمه عند الله سبحانه وتعالى، لكن المجلس الرئاسي الذي قدم نفسه كمحايد لم يستطع أن يحافظ على حياده، وخضع لضغوط المجموعات المسلحة التيتسيطر على جزء مهم من الدولة، وقرر عدم التقيد بهذه الإجراءات البسيطة جدا، واعتبر أن الشهداء هم فقط من قاتل في صفوف الناتو عام 2011 ومن قاتل القوات المسلحة 2019، أما الأبطال الذين واجهوا العدوان الخارجي وأبطال القوات المسلحة الذين قاوموا الإرهاب وطهروا أجزاء كبيرة من ليبيا من الإرهابيين والمجرمين فلم يعتبرهم شهداء، بل ربما وفق ما يقولهالمفتي هم ماتوا ميتة الكافرين!! نكوص المجلس الرئاسي وتراجعه عن تعهداته دفع الأطراف الأخرى التي قبلت المشاركة احتراما للاتحاد الإفريقي ودوره، إلى أن تنسحب من هذا العبث، لأنها أدركت أن ما يجري مجرد تسويفلمشروع المصالحة وليس مشروع حوار وطني من أجل التصالح والتعايش السلمي المؤمن، وهذا يدفعنا إلى دعوة النخب الليبية مهما كانت توجهاتها، أن تعيد قراءة المشهد لأن إضاعة الجهد في قضايا ليست جدية تنهك النخبة، وتعطي آمالا كاذبة للجماهير، وبالنتيجة يتعثر الوصول إلى مخرج آمن من الأزمة التي تستفحل، فإذا وجدت جدية في البحث عن حل للأزمة الليبية تتبناه النخب الوطنية فعليهاأن تتخلص من الوهم الذي يبيعه المجتمع الدولي وأن تتوجه إلى المعطيات الحقيقية للمشكلة.

زر الذهاب إلى الأعلى