مقالات الرأي

قرن فلسطيني من التضحيات والخديعة والخذلان

محمد جبريل

أوسلو أوقفت الانتفاضة وأنهت المقاومة واعترفت بالكيان على 78% من فلسطين وأنشأت سلطة شكلية فاسدة تحمي المستوطنين فاعترضت منظمات ونخب فلسطينية 

تميزت المائة سنة الأخيرة بثلاث خصائص، هي تضحيات الشعب الفلسطيني، وخديعة الانجلو ساكسون، وتآمر الأنظمة العربية، البداية مع الشريف حسين حارب مع الحلفاء مقابل تنصيبه ملكا للعرب، وبمجرد انتصارهم استأنفوا تنفيذ وعد بلفور، فاشتعلت انتفاضة البراق 1929 ضد المزاعم اليهودية، واستشهد 116 فلسطينيا، وجُرح 232 وقُتل 133 يهوديا وجُرح 339.
أسس الشهيد السوري عز الدين القسام في 1930 (منظمة الكف الأسود)، ثم اندلعت ثورة 1936، متأثرة باستشهاده بدأت بأطول إضراب في التاريخ لشعب كامل استمر 178 يوماً، لكنه توقف تلبية لنداء الملوك عبد العزيز وغازي والإمام يحيى والأمير عبد الله “بالإخلاد إلى السكينة اعتماداً على حسن نوايا صديقتنا بريطانيا”، وأوقف (القاوقجي) الأعمال العسكرية.
 1937 قاد الأمين الحسيني المرحلة الثانية، لوقف الهجرة اليهودية، ومنع تملكهم للأراضي، واستقلال فلسطين، تمت السيطرة على كل الريف الفلسطيني، وعدد من المدن، فأجبرت بريطانيا على الوعد بتنفيذ المطالب، أرسل النشاشيبي (فصائل السلام) لدعم الإنجليز ضد المقاومة، وهذا ما يحاوله الصهاينة بتجنيد ماجد فرج بغزة.
بلغ الضحايا 5.032 شهيداً و1.760 جريحا، أي أكثر من عشر سكان فلسطين، وقُتل مئات الجواسيس كما تفعل حماس اليوم، بنهاية الحرب الأوروبية الثانية أُعلنت دولة الكيان قائدها الملك عبد الله خشيةً على عرشه من نفوذ الأمين الحسيني، واشتعلت حرب 48 وكانت صفقة الأسلحة الفاسدة سببا في خسارتها. عمل حسين منذ 54 مخبراً صهيونيا باسم (مستر بيف) الى وفاته، أعلن الفلسطينيون ثورتهم 1965 واستمرت تقلق مضاجع العدو، إلى أن أضاعت النكسة الضفة وغزة والجولان وسيناء، نشبت معركة الكرامة فاعتبرها النظام الأردني والإسرائيليون تهديداً وجودياً لهما، خاصة أن ميثاق منظمة التحرير يعتبر أن الأردن جزء من فلسطين، فكان أيلول الأسود 1970 بتنسيق حسين مع الصهاينة والأمريكيين.
عقد مؤتمر القاهرة في 27/9/1970 الذي أشهر فيه الشاب الثائر سلاحه على حسين، وتم تسميم عبدالناصر – واتفق بالمؤتمر على مغادرة الفصائل الفلسطينية المدن الأردنية، لكن حسين غدر بالفدائيين بعد أن أرسلت أمريكا ثلاث سفن محملة بالجنود والأسلحة، سُمح للفدائيين بالتوجه إلى لبنان، وما تلاه من اجتياح صهيوني أدى إلى طرد المقاومة إلى تونس.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 (انتفاضة الحجارة)، قدم الفلسطينيون خلالها 1.300 شهيد، 9000 جريح، و60.000 أسير، مما اضطر الكيان إلى افتتاح سجون جديدة، وتدمير 1.228 منزلاً، واقتلاع 140.000 شجرة، افُتتح مؤتمر مدريد في 30/10/1991 الذي وصله الكيان بشروطه، فالكيان يريد سلاما يدفع العرب ثمنه، ودون أي تنازلات، بل اشترط إلغاء قرار الجمعية العامة الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، وعدم تمثيل الفلسطينيين بوفد منفصل، وعدم الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، مدعياً تنفيذه للقرار 242 بانسحابه من سيناء، كما أن حدود 67 ليست كما ينص القرار “آمنة وقابلة للدفاع عنها”.
تم ربط مدريد بلوكيربي، فتنقلت أصابع الاتهام وفق حسابات مصالح الأطراف، ابتداء من الجبهة الشعبية القيادة العامة ومن ورائها سوريا، ثم إيران انتقاما لإسقاط أمريكا لطائرة الحجاج، ثم 13/11/1991 رست على ليبيا، أقل من أسبوعين بعد مدريد، لتحقيق هدفين هما؛ تبرئة سوريا لجر رجلها إلى مدريد، والثاني كبح مقاومة معمر القذافي لنتائج المؤتمر. 
أواخر 1992 أجرى محمود عباس، (مسؤول المفاوضات في منظمة التحرير)، سلسلة لقاءات سرية بأوسلو بدأت بواجهات بحثية منها المركز البحثي النرويجي (فأقو) الممول من الحزب الحاكم، و”مؤسسة التعاون الاقتصادي” البحثية التي أسسها نائب وزير الخارجية الصهيوني – يلعب الآن مركز الحوار الإنساني في بلادنا نفس الدور- تطورت إلى لقاءات سرية بمسؤولين صهاينة صغار ثم مع نتنياهو وشارون. الاستظراف وخفة الدم والابتسام في وجوه الأعداء ليست من صفات المناضل. 
ولإفساح الطريق لمحمود عباس تم تسميم ياسر عرفات وأدخل مستشفى في إيلات.
في 13 سبتمبر 1993 تم توقيع اتفاقية أوسلو ونصت على:

منع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وحذف البنود التي تتعلق بها من الميثاق.

يعترف الكيان بمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

الاعتراف بالكيان على 78% من أراضي فلسطين.

إقامة حكم ذاتي على الأراضي التي ينسحب منها.

إنشاء قوة شرطة فلسطينية.

بعد ثلاث سنوات تبدأ “مفاوضات الوضع الدائم” حول القدس واللاجئين والمستوطنات، والترتيبات الأمنية.

اعترضت على الاتفاقية حماس، والجبهة الشعبية،  والجبهة الديمقراطية،  وجبهة التحرير الفلسطينية وبعض النخب الفلسطينية مثل محمود درويش وإدوارد سعيد وفاروق القدومي وغيرهم.
أوقفت أوسلو الانتفاضة، فمنظمة التحرير الفلسطينية تحولت إلى شرطي لخدمة المستوطنين، تمارس التنسيق الأمني مع الصهاينة الذي اعتبرته “مقدساً”، وتحولت إلى مافيا فساد مرفهة. 
الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من 2015 إلى 2016 وسُميت انتفاضة السكاكين.
ثم طوفان الأقصى المهدد الوجودي للكيان والمحرج للأنظمة، والموقظ للشعوب.
الخلاصة: لا ثقة في وعود وتحالفات الأنجلوساكسوني، والتاريخ يحتفظ بأسماء العملاء ويلعنهم صباحاً ومساء، والشعوب لا تتوقف عن مقاومة المحتل مهما كانت التضحيات.
المطلوب تحصين المجتمع ضد سلوك العمالة، فالاصطفاف الآن بين محور مقاومة ومحور صهيوني بغض النظر عن القومية أو الدين، الاحتلال يتغذى على الخراب داخل الأمة. المقاومة هي حائط صد ضد أطماع المشروع الصهيوني لإفناء الأمة، الفرصة متاحة لتحرير فلسطين وتوحيد الأمة لكن للأسف “نحن لا نضيع فرصة لتضييع فرصة”.

زر الذهاب إلى الأعلى