المركزي والنواب.. والعشق الممكن
عفاف الفرجاني
استطاع مجلس النواب المنتخب من الشعب تحقيق الإرادة الشعبية من خلال اتخاذه حزمة من القرارات المهمة والصارمة والشجاعة في السنوات الماضية تجاه العديد من القطاعات الحكومية التي ثبت عليها تجاوزات إدارية ومالية، ومن بينها مصرف ليبيا المركزي، فقد خرج علينا المتحدث باسم المجلس وفي خطوة شجاعة تقضي بإقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وأضاف المتحدث وقتها أن الكبير استهتر بقرار المجلس ولم يحضر جلسة مجلس النواب لبحث مخالفات مالية ضده في المصرف المركزي، فصدر القرار بعزله إلا أن هذا القرار لم يتعدى ثمن الحبر الذي كتب به، استمر الصديق الكبير في مهامه كمحافظ للمصرف واستمر البرلمان في التعامل معه على هذا الأساس، رغم أن سبب إقالته الحقيقي هو رفضه جميع التحويلات المصرفية التي قام بها نائبه علي الحبرى بإعطاء تعليمات لفرع المركزي في بنغازي بتحويل الأرصدة من حساب المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته إلى مجلس النواب الجديد التي تقدر قيمتها بـ 80 مليون دينار( 62.5 مليون دولار)، حيث اعتبر الكبير الإجراء مخالفا للنظم واللوائح التي تتطلّب موافقة مجلس إدارة المصرف على قرار التحويل، بموجب محضر استلام وتسليم بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب.
الغريب في الموضوع أنه تمت إقالة الحبري واستبدل بنائب آخر، وظل الكبير في موقعه، وبسبب الصراع الأخير بين المحافظ ورئيس الحكومة منتهي الولاية عبدالحميد دبيبه والتحول الكبير في سياسات الكبير تجاه الحكومة الليبية ببنغازي، وفضّ تحالفه مع الدبيبة بسبب مخالفات وصفقات غير معلنة كانت قد حصلت منذ أشهر عدة، وتحديداً مع إعلان توحيد المصرف المركزي، عندها كانت إزاحة الكبير من منصبه عند دبيبة ضرورة ملحة لخدمة مصالحه الشخصية، ومن جهته كان على الكبير الحفاظ على منصبه من خلال الرهان على خصوم الدبيبة المتمثلين في مجلس النواب، لكن هذا يحتاج إلى ذريعة منطقية تثبت تورط الحكومة، وهنا الذريعة جاهزة، وفي مقدمتها الإنفاق العام للدبيية من خزينة الدولة الذي بلغ مليارات الدينارات.
المقلق هنا أن محافظ مصرف ليبيا المركزي يتولى هذا المنصب منذ قرابة ثلاث عشرة سنة، حيث فشلت جميع المحاولات لإزاحته عن منصبه، فمن المعروف أن الصديق يتمتع بعلاقات جيدة مع عواصم غربية كبرى ويحظى بدعم كبير من الجانب الأجنبي، والمفارقة هنا التي تهمنا في الموضوع كيف لمجلس النواب برئاسة عقيلة صالح المنتخب وله تحفظات على محافظ المركزي التي وصلت إلى إصدار قرار عزله أن يوافق على إحاطته برفع معدل الصرف دون مراعاة ما تمثله هذه الخطوة من ضرر على المواطن الكادح البسيط، والتي هي في أساسها تشجيع صريح على المزيد من النهب والتبذير والصرف خارج إطار القانون في مختلف بنود الميزانية.
فبدل هذا القرار الضعيف المتهالك كان عليه إيجاد الحل المتمثل في تشكيل حكومة جديدة بإصلاحات جوهرية، وبوضع قرار سريع وعاجل بوقف الصرف خارج إطار القانون، والمساءلة عن الصرف المجهول الذي تحدث عنه المصرف ومجلس النواب، المواطن ليس مجبرا أن يتحمل إنفاق الحكومة لأمواله في الهواء.
في تقديري الملام الأول اليوم هو السيد عقيلة صالح الذي يعتبره الشعب الليبي صمام التشريعات أمام عصابة الحكومة وليس هو بالشخص الذي يساهم في قرار يضرب به خاصرة اقتصاد البلد، أمام شح السيولة وارتفاع سعر الصرف في السوق المالية الموازية.
هناك من ينتظر تبريرا من رئيس مجلس النواب لانصياعه أمام إرادة محافظ مصرف ليبيا المركزي الذي شكك سابقا في إدارته للسياسات المالية، وهناك نواب سيرفعون قضايا ضد هذا القرار الذي صنف بأنه فردي من رئيس البرلمان!!
وبين إرادة المركزي والنواب، واستمرار حكومة دبيبة في تعنتها ومقامرتها بقوت البلد، يبقى المواطن الليبي الخاسر الوحيد في المعادلة الاقتصادية.