مقالات الرأي

‏في القهر المتعمد!!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏ما يتعرض له المواطن في ليبيا من قهر وإذلال وتضييق في كل مناحي الحياة، لا يتم مصادفة، وليس أعراضا جانبية طبيعية لأوضاع سياسية واقتصادية، بل هو نتاج سياسة ممنهجة، هدفها الأساس استمرار الوصاية الدولية على الوطن وتمكين الدول الغربية القوية النافذة من إحكام سيطرتها ونهب أكبر حجم من موارد الدولة واستدامة سطوتها، وأيضا تمكينها من الاحتفاظ بمنطقة نفوذ آمنة، مهمة في رقعة شاسعة من الشمال الإفريقي وجنوب المتوسط تضاف لقواعدها في خوض الصراع الدولي المحتدم في الشرق الأوسط والبحر الأحمر وشمال أوروبا بشكل ينذر بحرب كونية واسعة، وكذلك الحرب التجارية المستعرة بين الصين ومجموعة بريكس من جهة ضد أمريكا ومجموعة السبعة.

‏فلا يمكن في بلد يصدر النفط والغاز بكميات كبيرة ويمتلك احتياطات ضخمة منهما أن نفسر بشكل تقليدي انعدام السيولة شبه الكلي من المصارف ونعتبره أمرا عاديا يحدث في سياق أزمة مالية، بل يفسر فقط لكونه نتاج سياسة مالية خاطئة متعمدة، ولا يمكن معالجتها بفرض ضريبة على صرف الدولار “التوصيف السطحي لتخفيض قيمة العملة ب 30%”، فتلك معالجة ساذجة ولن تؤدي إلى نتائج، بل تسبب مزيدا من الصعوبات في حياة الناس، وهذا ما يبحث عنه الغرب في ليبيا.

لقد بنيت السياسة الاقتصادية منذ سنوات على الفساد الممنهج الذي أدى إلى نهب الأموال وارتفاع الدين العام! وانخفاض القوة الشرائية والعجز عن دفع المرتبات.. الخ، المشكلة المالية في ليبيا ببساطة جريمة متكاملة الأركان، فالأموال تنهب علنا دون قوانين ولا ضوابط ولا رقابة، ذلك أن السلطات التي فرضت من قبل الوصي الأجنبي طيلة 13 سنة الماضية تتصرف بدون مسؤولية قانونية ولا سياسات واضحة ولا مخططات مدروسة، فعلى سبيل المثال منذ 2015 تصرف أموال تقدر بمئات ملايين المليارات سنويا دون موازنة معتمدة قانونيا، إذا استثنينا التسعة أشهر الأولى من سنة 2021، حيث اعتمد مجلس النواب ميزانية لما سمي حكومة الوحدة الوطنية، لكن تلك الحكومة فقدت شرعيتها بسحب مجلس النواب الثقة منها بعد سبعة أشهر، ولانتهاء مدة ولايتها الافتراضية التي كان مقررا لها في شهر يناير 2022، صرف خلال تلك المدة أكثر من 450 مليارا حسب تقرير محافظ المصرف المركزي، دونما إنجاز واحد رغم الضجيج الإعلامي لما سمي عودة الحياة الذي كلف أضعاف قيم المشروعات التي نفذت التي حصرها رئيس الحكومة بافتتاحها رسميا في صيانة ملعب 11 يونيو وكيلومترين من الطرق بعين زارة وحديقة بمصراته التي وقعت فيها زلة اللسان الشهيرة “أهنئكم بالفساد”، وعلى العكس، لم تصرف المرتبات لشهور، وتوقف الإنتاج كليا، وانهارت بشكل كامل القطاعات الحيوية، الصحة والتعليم والنقل والطاقة.

أتصور أن كثيرين باتوا يدركون أن هدف تلك السياسات هو إدخال الناس في دوامة البحث عن المقومات الأساسية للحياة، ليصبح الحصول عليها وتأمينها مسألة شاقة ومضنية، حتى لا يجدوا وقتا للتفكير في مقاومة الوصاية الدولية على ليبيا، ولا في استرداد القرار الوطني، أو مقاومة الاحتلال الأجنبي الظاهر والمستتر لبلادنا.

في تقديري محاولات التعامل مع الأزمات المالية والاختناقات المعيشية والأزمة السياسية والانقسام وانعدام الأمن على كونها أزمات عادية تحدث في أي دولة أمر غير واقعي، ولا ينبغي أن ننتظر لها حلولا جزئية، بل يجب التعامل معها على أساس كونها إحدى نتائج المخطط الأجنبي للسيطرة على ليبيا، وهذا يدعونا إلى الإيمان بأن الحل يكمن في افتكاك الدولة من القوى الأجنبية التي تهيمن عليها بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق أدوات من التافهين والفاسدين، افتكاك البلاد لا يمكن أن يتحقق فقط بالأماني والشعارات والخطابات والحوارات الخالية من المضامين، بل هو عملية كفاح صعبة تتطلب تضحيات كبرى لا تستطيع تحملها إلا قوة وطنية حريصة على بلادها ولا تبخل عليها بكل ما تستطيع.

إن مواجهة ما نعانيه من مشاكل تفرض علينا إطلاق حركة وطنية للتحرر الوطني ومقاومة شعبية شاملة تستخدم كل الوسائل المشروعة، كثيرون قد يتفقون معي أن الوقت مناسب في ظل الظرف الإقليمي والعالمي لأن نسرع الخطى نحو تحقيق هذا الهدف كونه الوسيلة الوحيدة التي نسترد بها بلادنا نعالج بواسطتها مشاكلنا ونقضي على الأزمات التي تواجهنا.

زر الذهاب إلى الأعلى