صائمون منذ أشهر!!
بقلم/ ناصر سعيد
استقبل فلسطينيو قطاع غزة شهر رمضان بصوم سابق بشهور على حلول الشهر الكريم، صوم إجباري فرضه العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة منذ أكثر من 5 أشهر. استقبلوا رمضان على أصوات حمم صواريخ وقنابل الطائرات وقذائف المدفعية الإسرائيلية، مع ذلك جددوا نية الصيام، وهم الصائمون منذ أشهر، حيث لا أكل ولا شرب، رغم أن كثيرين منهم لا يطيقون الصوم، لأنهم أصلاً منهكون من الجوع والعطش.
خمسة أشهر من الحرب الظالمة على قطاع غزة، يحل شهر رمضان ليبدأ فصل جديد من الصمود والتحدي مع واحدة من أكبر وأقسى الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، حرب أودت بحياة أكثر من 31 ألفا، وخلفت عشرات الآلاف من الجرحى، وشردت أكثر من مليون ونصف المليون، مع انتشار المجاعة والأوبئة في ظل انعدام مقومات الحياة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.
لا أحد خارج قطاع غزة يشعر، أو على الأقل يستطيع أن يتصور حجم معاناة الغزاويين في شهر رمضان المبارك، رمضان بطعم النار والدم والجوع والعطش وترقب الموت شهيدا في أي لحظة.
غزة تفتقد في رمضان «لمّة عائلية، ولقمة هنية».. اللمة العائلية فككتها صواريخ وقنابل وقذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بتدميره المنازل فوق رؤوس ساكنيها، لتبقى أحزان الفراق على مَن استشهد، ومن فُقد تحت الركام والأنقاض.. فقد تشتتت العائلات التي تلملم أطراف ما تبقى من الأقارب، والبحث عن لقمة عيش أو شربة ماء نقية، في شهر رمضان، بعد تسجيل حالات الموت جوعًا في غزة (27 شهيدا من بينهم 18 طفلًا حتى الآن).
رمضان يطل على قطاع غزة، ولم يبق في القطاع حجر على حجر، لتتحول مدن القطاع إلى مكان لا يصلح للحياة البشرية، ولا يعرف أحد كيف يصبر الغزاويون على هول معاناتهم خاصة في شهر رمضان، بعد أن نزحوا بدل المرة مرات، في محاولة يائسة للبحث عن ركن آمن في القطاع، لكن هيهات هيهات، فحتى من كان يجري لاهِثًا للحصول على كيس دقيق قُتِل بأبشع صور القتل، ولم يعد هناك مكان آمن في قطاع غزة لا تطاله مجازر الصهاينة.
غابت عن مدن قطاع غزة في هذا الشهر الفضيل، مظاهر إقامة (موائد الرحمن) بعد أن حلت المجاعة كالكابوس فوق رؤوس سكان القطاع.. حتى المساجد بيوت الله طالها القصف الإسرائيلي وتهدمت (385 مسجدًا كليًّا و249 جزئيًّا)، بل إن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى استشهاد أكثر من 100 داعية، من بينهم علماء دين وأئمة ومؤذنون. ولم يعد أمام الغزاويين سوى صلاة الجمعة والتراويح خلف أنقاض المساجد والمنازل المهدمة.
لا شيء في مدن قطاع غزة سوى الألم يحكي يوميات أهلها، أما الأمل فيتبدد مع كل غيمة سياسية عابرة.. وما بين الألم والأمل، تجد فلسطينيي غزة وقد تعودوا على مذاق الصعوبات وإن كان مُرًّا، ليكتبوا فصلًا جديدًا من الصمود والتحدي.