مدينة الزاوية وسطوة العصابات
تقرير _ سيد العبيدي:
تتصدر مدينة الزاوية 48 كيلومتر غرب العاصمة الليبية طرابلس، أجندة الأحداث الساخنة طيلة الوقت، ما جعل منها مدينة شبيه بدول أجنبية معروفة، مثل “السلفادور وكولومبيا والمكسيك هندوراس وترينيداد وتوباغو وجامايكا”، تتحكم فيها العصابات المسلحة وترتفع فيها معدلات الجريمة بشكل متسارع.
وبين الفينة والأخرى نتابع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أخبار مفزعة تأتينا من الزاوية جميعها تتحدث عن وقوع جرائم جديدة خارج إطار القانون تنوعت ما بين القتل العمد والسطو المسلح والخطف تحت تهديد السلاح والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ولعل الغريب في الأمر أن كل ذلك يحدث بينما الحكومة المركزية تبعد بضع كيلومترات عن مسرح الأحداث المشتعلة ولا تحرك ساكنا، بل الأسوأ من ذلك أن أجهزة الأمن التابعة للحكومة منتهية الولاية تعمل بالشراكة مع تلك العصابات.
بداية الظهور
كانت أحداث 2011 وسقوط الدولة الوطنية بقيادة العقيد الراحل معمر القذافي، نقطة انطلاق لتأسيس تلك الكيانات الإجرامية، مستغلة من غياب الدولة فرصة لبسط سيطرتها على المؤسسات الحكومية والمدنية والمرافق الحيوية والموانئ والشركات ومقار الأجهزة العسكرية والأمنية في المدينة، وسرعان ماتحول الوضع إلى أمر واقع وتهديد مباشر لحياة المدنيين في ظل انتشار السلاح الذي أصبح أحد الأدوات الرئيسية في تحصيل مكاسب مادية وسياسية لقادة تلك المليشيات.
عززت تلك العصابات من تواجدها في الزاوية من خلال احكام سيطرتها الكاملة على المدينة وإدارتها بطريقة البقاء للأقوى وبصورة عشوائية تفقتد للأخلاق والنظام والشرعية والقانون، ماجعل من المدينة ساحة حرب مستعرة طيلة الوقت يسمع فيها أصوات الرصاص بين الحين والآخر بسبب وبدون سبب، فضلا عن تحولها إلى نقطة انطلاق مركزية للهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر وتهريب الوقود، حتى أنها باتت تدار بنظام شبيه بنظام الولايات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك في الزاوية لاصوت يعلو على صوت الرصاص، ولاحديث للعقل أو المنطق أمام هدير المدافع وأصوات البنادق متعددة الطلقات.
أبرز المليشيات
من أبرز قادة المليشيات في مدينة الزاوية المتطرف شعبان هدية المكنى “أبوعبيدة الزاوي” التابع للجماعة الليبية المقاتلة فرع تنظيم القاعدة في ليبيا، والإرهابي محمد بحرون المكنى “بالفأر” الذي يرأس مليشيا الإسناد الأمني بالزاوية، وهو مهرب للوقود رفقة المهرب محمد كشلاف الملقب “بالقصب” آمر سرية النصر المسيطرة على مصفاة الزاوية، وعبد الرحمن ميلاد الشهير بـ”البيدجا” والمتهم بتهريب البشر والوقود وارتكاب جرائم بحق المهاجرين والمستهدف بعقوبات من الأمم المتحدة، وآخرين يعملون دون مظلة قانونية وبدافع من القوة والنفوذ، وجميعهم في صدام مستمر وتناحر دائم.
مركز المدينة
تقع مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس على البحر المتوسط، وتحدها غربا مدينة صرمان وشرقا قرية صياد ومن الجنوب سلسلة جبال نفوسة، إداريا تتبع محافظة الزاوية، اعتمدت المدينة في الأساس على الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد البحري، وشكلت المنتجات الزراعية أساس للتجارة في المدينة، أما اسم المدينة الحالي فالأرجح أنه جاء نسبة إلى كثرة زوايا تحفيظ القرآن الكريم، وكلمة زاوية مأخوذة من زاوية في بيت الله مخصصة لتحفيظ وتدريس القرآن الكريم.
كانت الزاوية من المراكز الهامة في تاريخ الجهاد الوطني، وكان لها على الدوام مكان بارز في أحداثه، ومشاركة واضحة فيه وعرف لها الإيطاليون هذه المكانة فوضعوها في المكان الأول من اهتمامهم وسعيهم لاحتلالها، ولم يتمكنوا من ذلك إلا بعد عقد معاهدة الصلح مع تركيا حيث قاموا بتوجيه قوة كبيرة من قاعدتهم في سيدي بلال واحتلوا هذه المدينة في 4 ديسمبر 1912 ولكنهم أرغموا على الجلاء عنها في 17 يوليو 1915 على إثر الثورة الشاملة التي انتشرت في البلاد وأدت إلى تقلص الاحتلال الإيطالي وانسحاب حاميته إلى طرابلس وانحسارهم بها تلك المدة التي امتدت من سنة 1915 حتى سنة 1922.
إشكالية التخلص من المليشيات
وتواجه عوامل التخلص من المليشيات في مدينة الزاوية إشكالية رئيسية تجسدت في الشراكة بين هذه المجموعات المسلحة والحكومة منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، فهي متهمة بالتقصير حيال هذا الملف الأمني بالمنطقة الغربية بشكل عام، وفي الزاوية بشكل خاص.
وبحسب “مراقبون” يعتبر قيام الدولة أمر غير ممكن في ظل نظام الشراكات مع الميليشيات، والذي هو أحد أسباب التدهور التام في الأوضاع الأمنية بالزاوية، ولايوجد حلول سوى بإطلاق حرب تحرير للمدينة من المجموعات التى استباحة كل شيء، حتى أن المدينة تجاوزت مرحلة العبث، وأصبحت غارقة تماما في الجريمة.
وضع المدنيين
يعيش المدنين في مدينة الزاوية حياة مليئة بالخوف والقلق والتوتر الدائم؛ نتيجة الصراع المسلح والتناحر على المصالح الخاصة بين الكيانات المسلحة، ما شكل لديهم حالة دائمة من الفزع والرعب، فقد يندلع القتال في أية لحظة ومن دون أسباب منطقية، والخاسر الوحيد هو المواطن الذي يواجه المجهول كلما نشب قتال بين تلك الجماعات المسلحة، وحتى الوقت الحالي لاتوجد بوادر لحلحة الأزمة السياسية في ليبيا رغم المبادرات الإقليمية والمحلية، مايهدد السلم الاجتماعي في ليبيا بشكل عام ومدينة الزاوية بشكل خاص.