مقالات الرأي

المركزي بين عشوائية القرار وضبابية الهدف

بقلم: عثمان يونس

خلال اليومين الماضيين وجه الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي مذكرة لمجلس النواب يقترح فيها بعض الإجراءات لمواجهة الطلب المتزايد على النقد الأجنبي خلال العام 2024 والتي قدرها المركزي حسب مذكرته بــ 36 مليار د.ل مع عجز في الإيرادات التي يتوقع أن لا تتجاوز 24 مليار دولار، الأمر الذي قد يتسبب وفقًا للمحافظ في عدم مقدرة المركزي على الدفاع عن قيمة الدينار ومواجهة ارتفاع الدولار في السوق الموازي، واقترح في مذكرته لمواجهة هذه المخاطر إقرار رسم على بيع النقد الأجنبي يصل إلى 27% على كافة الأغراض باستثناء تمويلات الخزانة العامة، بحيث يكون سعر الدولار مع فرض الرسم المقترح في حدود 6.15 د.ل وبالتالي سيوفر -حسب المذكرة- السيولة النقدية بالإضافة إلى ضبط الأسعار.

هذا المقترح لو تم إقراره سيعني عمليًّا تخفيض سعر الدينار الليبي، وبالتالي تستمر الحلول العقيمة وضعف إدارة السياسة النقدية باعتماد المحافظ العتيق (12 سنة في كرسي المحافظ!) على أقصر الحلول وأيسرها بإقرار تخفيض العملة لتأكيد إخفاقه في معالجة الأزمات التي اعترضت وتعترض الدينار الليبي وهي سلسلة من جملة التخفيضات التي طالت العملة المحلية خلال الست سنوات الماضية، والتي فقد الدينار خلالها ما يزيد على 70% من قوته، دون التوجه إلى الحلول الناجعة التي تسهم في الاستقرار النقدي المشهود، وتشارك بها جميع مؤسسات الدولة، هذه الحلول التي تتطلب تنازلات ضخمة تبدأ من مجلس النواب بإقرار ميزانية موحدة وتعديل بعض القوانين التي ألجمت المصارف من أداء دورها في تنظيم السياسات النقدية والمساهمة في الاقتصاد، مروراً بالحكومة بترشيد الإنفاق الحكومي وخاصة الإنفاق الخارجي على البعثات الدبلوماسية والوفود الرسمية التي لا طائل من ورائها عدا استمالة بعض الشخصيات وشراء الذمم لأغراض سلطوية بحتة، وإيقاف الهدر غير المبرر في ميزانية الدولة، ومراجعة بند المرتبات الذي تم تضخيمه بشكل غير مدروس حتى استنزف ما يزيد على 60% من مخصصات الميزانية العامة، ولا ينتهي عن المصرف المركزي المطالب بضرورة تشديد الرقابة على استخدامات العملات الصعبة ومتابعة الاعتمادات المستندية، وإعادة ثقة المواطن في المصارف بتوفير السيولة وتقديم خدمات مصرفية ذات جودة عالية بعيدًا عن البيروقراطية والمحسوبية في التعامل.

الملاحظ من خلال دراسة ظروف مراحل زيادة سعر الصرف أن البنك المركزي كان يصبو من خلالها إلى تمويل الميزانية العامة وسداد الديون وتوفير السيولة، وبالتالي معالجة التضخم وارتفاع الأسعار، إلا أن المصرف لم يأخذ في الحسبان أن زيادة سعر الصرف ستؤدي إلى زيادة قيمة الواردات بالعملة المحلية، وحيث إن الفجوة في الميزان التجاري الليبي كبيرة جدا لمصلحة الواردات وبالتالي أثرت زيادة أسعار العملات الصعبة في أسعار السلع والخدمات الأمر الذي تطلب زيادة المرتبات لمواكبة هذه الزيادات وبالتالي زيادة الإنفاق الحكومي الذي يساهم من ناحية أخرى في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار مما أجهض الهدف المعلن لإقرار الرسم على بيع النقد الأجنبي وانحصر الهدف في إخفاء الضعف في إدارة المركزي للسياسة النقدية فضلًا عن إخفاء الهدر وشطب الديون التي رتبتها الحكومة بالتنسيق مع إدارة المصرف المركزي، كل ذلك على حساب المواطن الذي تكبد فاتورة هذه الخسائر بالإضافة إلى فاتورة سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للسياسة المالية والتجارية وضعف إدارة المصرف المركزي في إدارته للسياسة النقدية.

المتفق عليه من أغلب خبراء الاقتصاد في ليبيا هو عدم وجود أي مبرر لتخفيض قيمة الدينار الليبي أو حتى فرض رسم مؤقت على تداول النقد الأجنبي إلا أن تكون سياسة لتمويل العجز على حساب المواطن الأمر الذي يخالف جميع الأعراف والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف في الأساس إلى زيادة معدلات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتحسين مستوى معيشة المواطن لا أن تستخدمه كأداة لدرء فشلها وإخفاء ضعفها.

زر الذهاب إلى الأعلى