خاص “الموقف الليبي”..دراسة تفصيلية تبرز الأسباب الحقيقية وراء أزمة المياه الجوفية في ليبيا
دراسة من إعداد:
د. عبدالسلام سالم الشعافي
أ. فتحي محمد سلوم
أ. د. سعد خميس العبيدي
قسم علوم الأرض
جامعة بنغازي
تعريف بالظاهرة الأسباب والآثار واقتراح الحلول
مقدمة عامة عن الظاهرة:
أرجعت دراسة تفصيلية أعدها أساتذة في قسم علوم الأرض بجامعة بنغازي، الأسباب وراء ارتفاع منسوب المياه الجوفية فوق مستوى سطح الأرض، إلى العمليات الهيدرولوجية “هطول الأمطار والفيضانات” والعمليات البشرية.
وبحسب الدراسة، تعد الفيضانات النهرية والتساقط المطري الشديد الناجم عن المنخفضات الجوية الحادة من أشد الكوارث الطبيعية خطورة في جميع أنحاء العالم، والتي هي عواقبها على الاقتصاد والناس والبيئة معروفة وواضحة جدًّا، وبالتالي تم بحثهما لعدة عقود، بينما ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الجوفية “Water Logging”، نتيجة لهطول الأمطار لفترة طويلة أو فيضانات الأنهار، غالبا ما يتم إهمالها، بسبب أن آثارها في الغالب غير مرئية.
في السنوات الأخيرة، ظهرت مشكلة ارتفاع مناسيب المياه الجوفية والتي تم تعريفها على أنها مستوى أعلى للمياه الجوفية من المستوى المعتاد، وقد كان ملفتا للانتباه وخاصة في ألمانيا والمملكة المتحدة وكندا وغيرها من الدول الأخرى. على سبيل المثال ظهرت المياه الجوفية على السطح في إنجلترا خلال فصل الشتاء في عامي (2001/2002) بعد فترة طويلة من هطول الأمطار الغزيرة في بيئة جيولوجية محددة من طبقات المياه الجوفية لصخور جيرية طباشيرية.
مصطلح “فيضانات المياه الجوفية” أو “ارتفاع منسوب المياه الجوفية” حديث نسبيًّا يشير إلى الغمر الذي ينشأ من المياه الجوفية ويرتفع منسوب المياه فوق مستوى سطح البحر أي سطح الأرض، ويكون سبب هذه الظاهرة أساسًا العمليات الهيدرولوجية (هطول الأمطار والفيضانات)، وقد تحدث أيضًا بسبب العمليات البشرية.
إن استخراج المياه الجوفية يقلل من مخاطر الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستويات المياه الجوفية. وإذا انخفض استخراج المياه الجوفية، يرتفع منسوب المياه الجوفية مرة أخرى. هناك دراسات عديدة توضح ارتفاع المياه الجوفية لعدد من المدن في جميع أنحاء العالم بسبب انخفاض استخراج المياه الجوفية.
هناك عدة دراسات تشير إلى أن معدلات التدفق المثالية من مياه الصرف الصحي إلى طبقة المياه الجوفية تكون أقل بمرة أو مرتين من معدلات تدفق المياه الجوفية إلى مياه الصرف. تداخل المياه الجوفية إلى نظام الصرف الصحي من خلال التسربات في غرف التفتيش والمجاري العامة والمجاري الخاصة تحت الأرض، إذا كانت التسريبات تقع تحت مستوى المياه الجوفية والعكس صحيح، حيث كمية المياه الجوفية المتدفقة إلى شبكة الصرف الصحي، وبالتالي تأثيرها على منسوب المياه الجوفية يعتمد على معامل نفاذية الطبقة الجوفية، والتدرج الهيدروليكي بين المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي، المستوى وحجم منطقة الواجهة بينهما.
على سبيل المثال في ألمانيا يضيف تسريب المياه الجوفية إلى نظام الصرف الصحي ما يصل إلى حوالي 33 مليون متر مكعب في العام لمساحة (865 كم2). يمكن الكشف عن موقع التفاعلات الهامة بين المياه الجوفية ونظام الصرف الصحي بمساعدة نماذج تدفق المياه الجوفية. ويمكن أيضًا استخدام النماذج الرقمية لتقدير مقدار ارتفاع مستوى المياه الجوفية بسبب نظام الصرف الصحي.
موضوع ارتفاع مناسيب المياه الجوفية في الساحل الليبي لن يكون ثابتا على منطقة محددة، بل سوف يمتد إلى جميع المناطق بنفس الظروف وبنفس الأسلوب. وحتى طرق التخلص من هذا الوضع بنفس الطريقة والنتائج واحدة. تتواجد المياه الجوفية في ليبيا بظروف مختلفة منها القديمة مثل الخزانات الجوفية بأحواض الكفرة والسرير والجنوب الغربي. بينما الشمال الشرقي والغربي للمناطق الساحلية تعتبر المياه متجددة عمومًا.
المياه الجوفية بالسواحل الليبية تتجه عموما ناحية الشمال، قد يكون الشمال الشرقي أو الغربي وربما الاثنان معا في نفس المكان. مياه الأمطار مصدر أساسي للتغذية، تتساقط الأمطار فيتسرب جزء منها من خلال التربة للأسفل حتى يصل إلى سطح المياه الجوفية. يمكن أن يكون سريعا إذا كان المنسوب قريبًا، وللخاصية الشعرية دور كبير أيضًا في ذلك، وقد يستغرق وصوله وقتًا أطول إذا كان منسوب المياه الجوفية على أعماق مختلفة. الوضع الأول يطبق على المناطق الساحلية والقريبة من البحر أو مناطق بعيدة من الساحل في وجود طبقات صخرية صلبة أو حتى طينية قريبة من سطح الأرض كما هو الحال في القوارشة جنوب بنغازي وجردينه وسلوق والفويهات وباقي مناطق بنغازي، ويحتمل أن تكون مناطق غرب ليبيا (زليتن وشرقها ومنطقة السدادة وبالقلوب بين سرت والهيشة) هذه المناطق تتميز بقرب المياه السطحية من سطح الأرض.
الأسباب والآثار
المياه السطحية في ليبيا عموما سواء كان سببها الأمطار مباشرة أو مياه الوديان ستتجه للشمال من فوق سطح الأرض أو حتى تتسرب ثم تتجه شمالا بسبب الانحدار العام للأراضي حتى تلتقي بالبحر.
أسباب ارتفاع مناسيب المياه فوق سطح الأرض يمكن أن يكون أحد أو جميع المسببات التالية:
تغير وضع استعمال المياه من الخزان الجوفي القريب أو السطحي كما هو متعارف عليه وذلك لتدهور النشاط الزراعي وانصراف المزارعين إلى أعمال أخرى وتحول أراضي الزراعة إلى مخططات بمساحات كبيرة للسكن وغيرها في عدم وجود مخطط عام أو تحكم المؤسسات المدنية في الحفاظ على التنمية الزراعية. ولهذا انعكس الوضع من استهلاك الماء في المكان الواحد إلى تدفق مياه منقولة من خارج المناطق لنفس المكان.
زيادة الخلل في الميزان المائي وهو أن جميع تلك المساكن والعمارات والأسواق وكل ما تم بناؤه على الأراضي الزراعية وتدفق مياه الصرف الصحي بها جميعا من خلال خزانات تحت سطح الأرض تعرف بخزانات المياه السوداء. تتسرب مياه الصرف للأسفل وتلتحم بالمياه الجوفية السطحية وتشكل شبكة مياه ملوثة تقوم بتشبع هذه الطبقات من الخزان الجوفي السطحي وتبني قوة هدر أو ضاغط هيدروليكي، وهذا يكتسب ارتفاعًا يلزمه بالتسرب إلى أماكن منخفضة ويستقر عندها، وبهذا يبدأ منسوب المياه المتجمعة بالارتفاع ببطء شديد.
هناك مناطق وصلتها مياه النهر الصناعي بكميات منتظمة التدفق طيلة الثلاثة عقود السابقة إلى يومنا هذا. بمعادلة بسيطة، المنطقة كانت تستغل مياهها محليا أصبحت تصلها مياه إضافية متدفقة في وجود المياه الأصلية. كما ثبت أن نسبة من شبكات توزيع المياه بالمدن والقرى قديمة ومتهالكة، ولهذا تفقد جزءًا من مياهها إلى الأسفل بالطبقة التحت سطحية.
بعض المخططات لم تصلها مياه النهر حتى اليوم ببعض المناطق والمدن. يحصل فيها ما لم يصدق. مخططات جديدة غير منتظمة شيد بها آلاف المساكن، كل مسكن أو منشأة يحفر بها بئر جوفي كمصدر للمياه للاستعمال المنزلي وبمسافة قريبة داخل حدود الأرض يتم حفر وبناء خزان للصرف الصحي. ينشأ عن ذلك اتصال هيدروليكي بين مياه هاتين الحفرتين بشكل منتظم حيث يتم الضخ من مياه البئر للخزان العلوي والاستهلاك يرجع لبئر الصرف ولذلك يحصل هبوط من جانب وارتفاع منسوب وتسرب خارج خزان الصرف من جانب آخر. النتيجة هو تسرب المياه على نطاق واسع وتشبع الطبقات التحت سطحية. هذا يعد من المخاطر غير المحسوبة على سلامة المباني ثم المساهمة في التلوث البيئي للمياه الجوفية وتضرر السكان صحيًّا وانتشار الأمراض.
المشكلة الكبرى التي تعاني منها جميع المدن هي عدم وجود شبكات صرف صحي ومحطات تنقية، الأمر الذي يسهم في تفاقم المشاكل وتصل المشكلة إلى جميع المدن والقرى.
الإفراط في الري، يؤدي إلى زيادة في المياه الجوفية على أعماق مختلفة، وبذلك يرتفع منسوب المياه ويقترب من سطح الأرض.
انسداد الصرف السطحي الطبيعي، وذلك عن طريق إنشاء السدود، يسبب أيضًا ارتفاع منسوب المياه الجوفية.
عرقلة الصرف الطبيعي تحت السطح لتعيق حركتها للأسفل في الاتجاه الهبوطي بسبب وجود عدسات طبيعية من طبقة الطفلة كطبقة غير منفذة للمياه ويسبب هذا تكون منسوب آخر جديد وقريب من السطح إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية السطحية وتشبع سطح الأرض.
تسرب المياه من القنوات المائية تحت سطح الأرض يؤدي إلى زيادة خزان المياه الجوفية، وبذلك يحدث ارتفاع عام في منسوب المياه الجوفية.
طرق الزراعة الخاطئة مثل إنشاء السدود الزراعية الصغيرة التي تعيق حركة المياه والاختيار غير السليم في المحاصيل الزراعية التي تتطلب الري المفرط.
عيوب التشبع المائي
1- انخفاض النمو للنباتات وتأثيرها على إنتاجية المحاصيل، وأحيانا نمو أنواع أخرى من الحشائش الضارة وزيادة نسبة الأمراض في النباتات.
2- الزيادة في تراكم نسبة الأملاح من طبقة الأرض نتيجة لارتفاع منسوب المياه في المناطق المغمورة أصلًا بالمياه. ومع التبخر تزداد نسبة الملوحة وهذا يؤثر بشكل كبير في المباني السكنية وأساساتها.
3- ارتفاع منسوب المياه يسبب خفض درجة حرارة التربة الطبيعي لوجود رطوبة مفرطة أو زائدة.
4- تصبح الأماكن المشبعة بالمياه مكانًا ملائمًا لتكاثر البعوض، الذي قد يسبب الملاريا، وهذا يؤثر بشكل كبير في صحة المجتمع.
الحلول المقترحة
هذا النوع من المشاكل الناجمة عن ارتفاع مناسيب المياه الجوفية بالمناطق يحتاج إلى الوصول إلى حقائق وليس افتراضات أو تكهنات، لهذا يجب عمل الآتي:
- التعرف على الوضع الجيولوجي الترسيبي والتركيبي للمناطق المستهدفة بدقة لهذه الظواهر.
- حفر آبار بيزومترية للمراقبة الدورية لمناسيب المياه الجوفية من طرف الهيئة العامة للمياه مع ضرورة توفير المعدات الخاصة بذلك. وأخذ عينات من المياه الجوفية بشكل دوري وإجراء التحاليل الكيميائية والبكترولوجية بها.
- رفع مساحي دقيق للآبار المذكورة وتحسين الخرائط الحالية، برسم خرائط طوبوغرافية وتحديد الارتفاعات واتجاهات الانحدار والتضاريس السطحية على مقياس رسم مناسب لهذا الموضوع.
- رسم خرائط بيزومترية تبين من خلالها اتجاهات التدفق التحت سطحي للمياه.
- محاولة التنبؤ بعمليات الرشح والشحن من المياه السطحية عموما.
- رسم خرائط توضح أماكن التلوث الناجم عن اختلاط مياه الصرف مع المياه وتداخل مياه البحر.
من خلال برنامج الحملة الفنية الحالية سوف تستكشف للخبراء نقاط يهتدون بها لإيجاد حلول مؤقتة أو دائمة لتصريف المياه منها أحيانًا من خارج المنطقة، وقد تكون آبارًا أو قنوات. هذا لا يعني أهمال أو إلغاء البدء في عمليات التخطيط والتنفيذ السليم للبنية التحتية في جميع مناطق المدن الليبية وعلى الأخص بالساحل الليبي.