تحرير الفكر العربي
بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
يستمر الجهل في وطننا العربي بإبداعات ابن رشد الفيلسوف العربي في مجال الفلسفة والعلوم التطبيقية والترجمة والشروح لأشهر فلاسفة اليونان ويستعان عن فكره الثاقب الذي قدمته أوروبا على جل مفكريها وأطلقت عليه الشارح الأعظم لقيامه بترجمة فلسفة أرسطو بتراث متراكم يكون الأنماط الفكرية التي تعيش في الانغماس في حرفية النص التراثي والانغلاق على أي مدرسة فكرية تنويرية تحررية تنهض بالعقل العربي في مواجهة الفكر الظلامي الذي طبع سنوات الحياة العلمية والمعرفية وخاصة في مجال التفكير ودعم الإبداع العقلي وحرية التفكير ما جعل الحضارة العربية تتأثر ويصيبها الهوان مقابل رقي الحضارة الغربية التي أخذت بمفاتيح العلم والمعرفة وإعمال التفكير العقلي.
من هنا تصبح الأهمية لمؤسساتنا التعليمية الأكاديمية العربية أن تأخذ بمنهج ابن رشد، ليس في مجال التعليم الأكاديمي بل في مجال مواجهة الفكر النصي المملوء بالأفكار الظلامية إذ عانت الثقافة العربية الإسلامية من تخلف وانحدار بسبب عدم الاهتمام بفكر ابن رشد الذي نادى بتحكيم العقل وحرية الفكر المعرفي وأن الدين يدعو إلى ضرورة تحكيم العقل.
مثلت الاحتفالات بذكرى مولد ابن رشد ووفاته التي تؤرخ بـ 1198 حيث أصبحت أوروبا تفتخر به وتحتفل كل سنة بإنتاجه الفلسفي واعتبرت شروحه لأعمال أرسطو الفلسفية مبعثًا متميزًا للعقلانية وبداية لما يطلق عليه العالم الحديث بالإصلاح الديني من خلال حركة التنوير التي عمت أوروبا شرقها وغربها وعمت شهرته لاسيما في المراكز العلمية كالجامعات والمدارس الأوروبية وأصبحت أعماله ضمن الاهتمام والفخر والاعتناء في القرون الوسطى.
ابن رشد الوليد محمد بن أحمد عالم قرطبة وقاضيها وفيلسوفها لحقه من الخليفة الموحدي نفي وملاحقة من شيوخ الضلالة في ذلك الوقت وهو نفس ما يقوم به اليوم شيوخ الفكر الديني التكفيري في ليبيا وقادة الإسلام السياسي حيث أصبح المشهد الليبي والعربي يعمق الهوة بين العلم والمعرفة والتقدم في جل العلوم والتطبيقات المعرفية وبين ما ينقل الناس إلى الردة الثقافية والمعرفية التي انكفت وقفلت باب الاجتهاد وتحرير العقل والفكر الديني الذي أصبح من الضرورة الأخذ بفلسفة ابن رشد وأن تؤسس مكتبات ودور العلم باسمه في المدن العربية وأن تعتني الجامعات العربية بفلسفته وفكره الذي يجمع بين إعمال العقل في الأخذ بالعلوم وبين إعمال الفكر الديني التحرري لا سيما أنه مفكر وفيلسوف عربي الهوية لم تنجب البشرية من قبله ولا من بعده كشخصية عالم وفيلسوف ومفكر ويصبح قدوة في مواجهة الانغلاق التراثي الديني الذي يحجب الاجتهاد العقلي ويرجع بالدين إلى الفقه الذي أصبحت فرقه وجماعاته تمتهن التكفير إلى حد ظهور جماعات ومنظمات إرهابية تتولى القتل والإرهاب الفكري والجسدي سيما أن التقدم العلمي والمعرفي يتطلب الآن إحياء فكر هذا الفيلسوف العربي ومنهجه المعرفي في الثقافة والمعرفة والحياة ينقل المنهج العملي الفكري إلى بناء الدولة المدنية العصرية التي تكفل حرية الإنسان في الفكر والمعرفة العصرية والتخلص من النصوص الفقهية المنغلقة على العصر والاجتهاد وأيضًا الحفاظ على جوهر الدين الصحيح الذي يطبع الثقافة العربية بالحفاظ على الهوية وروح العصر والتخلص كليًّا من المفاهيم الغيبية والتكفيرية ذات الجنوح الإرهابي والعنفوي.