الفساد المركَّب!
بقلم/ مصطفى الزائدي
13 عامًا والليبيون يبحثون عن الحل لعقدة صنعوها بأيديهم ولم تسعفهم أسنانهم لحلها! يتوسله بعضهم من السفارات والبعثات والمنظمات الدولية المشبوهة التي يجلسون على أعتابها ويتمسحون بجلابيب موظفيها يبتاعون الوهم ويبيعون استقلال البلاد وحرية الشعب.. الأحوال تدهور باطراد فتنحدر البلاد إلى الهاوية حتى صار إنقاذها أمرًا من قبيل المستحيل، والمعيشة تتعسر بشكل مرعب، فإضافة إلى تأخر المرتبات وانهيار قطاع الإنتاج وندرة السيولة في المصارف وفي الجيوب وارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات، فإن كارثة أخطر تعصف بالتعليم، وتصيب الأخلاق وتضرب ثوابت المجتمع وقيمه في العمق!
سؤال ما الحل؟ يطرحه الجميع، بما فيه السفارات التي يؤمونها، إلا أن كثيرًا من الناس غير مدركين أن الدول الأجنبية الوصية على ليبيا عندما أسقطت الدولة ونظامها الوطني لم يكن في نيتها على الإطلاق إعادة بنائها على أسس سليمة، بل كانت تبحث عن فراغ يسمح بحلول حالة فوضى سموها خلاقة لكي تتمكن من خلالها تلك الدول بأن تفعل كل ما يحقق مصالحها ويضمن نفوذًا مستدامًا لها! وهكذا نشأت حالة العبث الخطيرة التي نشهدها ونعاني آثارها في ليبيا التي ضربت كل مناحي الحياة فيها، لكن بعض الليبيين لا يزالون يتوهمون أن ما يسمى المجتمع الدولي “أمريكا وأتباعها الغربيين” لديهم نوايا حسنة تجاههم وتجاه بلادهم، وأنهم فعلًا جادون في مساعدة ليبيا وتحقيق الازدهار والرفاه لشعبها، ورغم انكشاف هذه الكذبة بمرور الأيام وتعاقب الأعوام، فإن البعض لا يزال يتحدث عن الحل المزعوم في أروقة دوائر المؤامرة وفي جراب المتآمرين، محاولا إقناع نفسه بصحة ما حدث، وتبرير ذلك بكونه جزءًا من عملية كبرى وخطيرة لبناء دولة ديمقراطية مرفهة كما كانوا يدَّعون، وهم كمن يجري خلف سراب يبحث عن الماء يراه ولا يصل إليه!
ما يوصف بالحل السياسي الذي بني على فكرة تقاسم السلطة بين الأطراف التي تتنازعها من بين من أطلقوا على أنفسهم المنتصرين بعد خروج الناتو من المعركة في 2011 مجرد وهْم باعه الأوصياء لشراء وقت يثبِّتون فيه أقدامهم في ليبيا، فلقد تشكل نتيجته عدد من الحكومات الضعيفة التي عززت وعمقت الانقسام من جانب وتسببت من جانب آخر في حروب ضروس، ما أن تخمد حتى تنشب ثانية، إضافة إلى حالات الاحتراب المستمرة بين المجموعات المسلحة في المدن وما يسيل فيها من دماء، ومن قبيل الدعابة أستطيع القول إنه فعلًا تم تقاسم السلطة، فلقد أصبح لكل من لديه سطوة مكان متسلط عليه، وقسمت البلاد إلى كنتونات متصارعة، فصارت فعلًا “حارة كل من إيدو الو” وهكذا هي بلادنا اليوم!
في الواقع كانت هذه هي سياسة الدول المعتدية على ليبيا منذ اليوم الأول، فأولى متطلبات الفوضى المستدامة، ألَّا تتأسس سلطة مركزية واحدة قادرة على بسط السيطرة وتحقيق الاستقرار والوفاق، ويستعاض عن ذلك بمسرحيات حوار متكررة جعلت الناس يدورون في حلقات مفرغة بلا نتيجة، فأصبحوا كمن يلاحق السراب! ولوحوا مرات ومرات بإجراء انتخابات لبناء سلطة وطنية لكنها كانت مجرد بالونات تنفخ كالتي يتسلى بها الأطفال!
السؤال: هل ننتظر بلسمًا لسمِّ الأفاعي من أنيابها؟
لا إجابة، لكن مهم التذكير بأن كل المندوبين ونوابهم والمبعوثين وطواقمهم والسفراء ومستشاريهم، سواء أكانوا موظفين من الأمم المتحدة أم من خارجيات ووكالات استخبارات الدول الغربية الوصية، يأتون إلى ليبيا كجزء من فترة عمل دوارة في الدول التي أصابها وباء الربيع، فكل سيرهم الذاتية ممتلئة بأعمال ربما تكون مشينة في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن وما شابهها من الدول التي ضربها ذلك الوباء! يباشرون أعمالهم في ليبيا لبعض الوقت ثم يتمركزون في تونس أو مالطا يبيعون الكلام المعسول المنمق الخالي من المعاني!
المستجد في الملف الليبي وربما لم نكن نلحظه في الملفات الأخرى المشابهة تصدُّر اللصوص أو من يسمون أنفسهم رجال الأعمال للمشهد ومحاولة شراء السلطة، سواء السلطات المناطقية أم المركزية الشكلية، فصرنا بين مطرقة السفراء والمبعوثين والمنظمات المشبوهة وما يبيعونه من أوهام وسندان أطماع الفاسدين الذين يسعون لدمج السلطة والمال ليتشكل الفساد المركب، فساد السلطة وسلطة المال الفاسد.