مضيق البسفور يصافح النيل
سالم أبو خزام
التقارب المصري – التركي قد يخفف المعاناة الليبية ويدفع الأطراف في ظل التوافق الدولي إلى ابتعاد خطر التقسيم، فتلك مصلحة ليبية حقيقية بعد سنوات من الصراع المسلح أو السلمي في مدته الأخيرة
جمهورية مصر العربية تتولى لعب دور إقليمي ناجح وموفق على الساحة الليبية كاملة، بينما الجزائر دورها خجول ومحدود وبات يضعف وينحسر لأسباب داخلية وجزائرية بحتة!!
رغم أن مصر تعيش أزمات كثيرة منها داخلية كالأزمة الاقتصادية الخانقة أمام تزايد عدد السكان، مضافا إلى ذلك عدة أزمات أخرى خطيرة أهمها:
ـ الخلاف السياسي (الكامن) مع إسرائيل، المطوق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، اتفاقية كامب ديفيد.
ـ حرب غزة الأخيرة التي اندلعت في أكتوبر من العام الماضي بغزة، وأحداثها ونجاحاتها الساخنة.
ـ أزمة السودان، الدولة الجارة لمصر، وأحداثها ومدى تأثيرها على الداخل المصري، وأيضًا الأعداد الرهيبة من السودانيين الذين وفدوا إلى مصر.
ـ سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على مصر وأخطار انفجار الأوضاع هناك، بما لا يخدم السياسة المصرية.
ـ الأوضاع لدينا في ليبيا، خاصة المناطق الشرقية، وخطورة الانقسامات السياسية ببلادنا.
ـ منطقة البحر الأبيض المتوسط والتداخل به خاصة ما يلامس الأوضاع في تركيا ومصالحها.
ـ من المهم الإشارة إلى غرب مصر حيث تقع ليبيا، وبالتالي فإنها تشكل عمقًا لمصر وأمنها القومي.
مصر كدولة إقليمية كبرى تهتم بالمحافظة على تاريخها ووزنها في محيطها العربي، مضافا إلى ذلك الأخوة العربية.
معلوم التنسيق الليبي المصري وتحديدًا مع مجلس النواب وقدرات القوات المسلحة كخيار استراتيجي، وبالتالي فإن مصر من خلال تنسيقها متواجدة بشرق الوطن وجنوبه ومساحات من المنطقة الغربية، وهي داعمة لأجل استقرار ليبيا واكتساب سيادتها، مع العلم بإيمان مصر بلعب الدور الدبلوماسي مع حكومة الوحدة الوطنية من خلال سفارتها بطرابلس كقوة ناعمة وناجحة.
لكن إذا تحدثنا عن تركيا الدولة الإقليمية واللاعب الرئيسي بالملف الليبي نجد وجود عناصر من قواتها المسلحة بالأرض الليبية مع وجود نفوذ مؤثر من خلال حركتها السياسية ومصالحها الاقتصادية المهمة بليبيا، وعلينا ألا ننسى تدخلها العسكري الناجح باستخدام طيران البرقدار المسير في سماء ليبيا، لأجل انتزاع التواجد التركي الناجح.
وسط هذه الأوضاع والتداخلات، ترى لماذا يتقارب رجب طيب أردوغان رئيس تركيا مع عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية؟
أولا لنعرف بما لا يدع مجالا للشك أنه لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة!!
لقاء الرئيس التركي مع الرئيس المصري يطوي أكثر من عقد من السنين في خصام بين البلدين، لكن الآن فتحت صفحة جديدة، لكن، لماذا؟
أولا: من المهم للجانب المصري أن تسير علاقاته بالأسلوب الدبلوماسي مع الأتراك وانتهاج سياسة فتح الملفات الناعمة بحيث يتواجد كل طرف في ساحة الآخر مع مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية وفقا لتبادل المصالح.
ثانيا: الانصياع الهادئ إلى سياسة المجتمع الدولي الذي بات يؤيد أهمية الاستقرار في ليبيا، وأيضا تشكيل حكومة جديدة بعد إفصاحه عن ذلك جراء تزايد الضغوطات المحلية والإقليمية والدولية، وآخرها حديث المندوب الروسي بمجلس الأمن المؤيد لتشكيل حكومة جديدة.
ثالثا: الشركات التركية والمصرية لما تمثله من ضغوطات على الحكومتين نحو الاتجاه للمشاركة في إعمار مدينة درنة على خلفية إعصار دانيال الذي جرف المدينة، وباتت تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادتها من جديد، وهذه المليارات يسيل إليها لعاب الشركات وآلاف العمال خلفها وما يشكله ذلك من ضخ لاقتصاد البلدين المحتاج.
في اعتقادي أن هذا التقارب (المصري – التركي) سيخفف من المعاناة الليبية ويدفع الأطراف في ظل التوافق الدولي إلى تشكيل حكومة جديدة ليصبح القرار الليبي موحدا تنفيذيا في أقل تقدير.
هذا التوافق الإقليمي يقود إلى توافق دولي في ليبيا ويمنحنا الاطمئنان إلى ابتعاد خطر تقسيم البلاد، فتلك مصلحة ليبية حقيقية بعد كل سنوات الصراع المسلح أو السلمي في مدته الأخيرة.
أخيرا تجدر الملاحظة أن تواجد القوات الروسية قد أحدث توازنًا بين أطراف الوطن وربما يجبر بعضهم نحو الجلوس معًا ليعلنا أن الانتخابات القادمة ستحسم بالأصوات وتظهر الأطراف الدولية (أمريكيا ـ روسيا) شبه متعادلة!!
الانسداد السياسي سيُفتح وبدايته التشكيل الحكومي القادم وتقاسم المصالح، ثم الذهاب معًا نحو خطوات متلاحقة تصب مجملها في أن البلاد ستنهض من كبوتها التي طالت، كما أن مياه النيل العذبة صارت تجذب وتحرك من بعيد حتى مضيق البسفور!!