الامتناع عن الحماية مشاركة في الجريمة
ناجي إبراهيم
مذبحة مروعة شهدتها منطقة مشروع الهضبة الخضراء الأسبوع الماضي ذهب ضحيتها 10 شباب في غوط الباطل، وجاءت هذه المجزرة لتضاف إلى سلسلة الجرائم والمذابح التي يتعرض لها الشعب الليبي طيلة ثلاثة عشر عاما من عمر النكبة، ولتبيّن الفشل والعجز الأمني والسياسي وغياب القانون ولتظهر المخطط الذي يستهدف نشر الفوضى وتصفية الخصوم بطريقة همجية وبربرية.
نحن أمام جريمة موصوفة ومكتملة الأركان، تضع الماسكين للوضع الأمني والسياسي بغض النظر عن شرعيتهم من عدمه أمام مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية، وتثبت لنا أن الميليشيات لا تصنع استقرارًا ولا تحمي أمنًا مهما حاولنا تزيينها وتغليفها بعناوين أمنية، بل تحمل ممن يرعونها ويدعمونها ويوفرون لها الدعم المادي واللوجستي والحماية القانونية المسؤولية تضعهم في خانة المشارك والداعم لهكذا جرائم.
الحكومة في طرابلس لم تكتف بتقديم الأموال والدعم لهذه المجموعات المسلحة وحسب، بل وفرت لها النفاذ بجرائمها دون محاسبة قانونية أو إدارية وسياسية في معادلة مارستها وطبقتها جميع الحكومات التي مرت على الحكم في طرابلس وهي (أعطني الحماية نعطك المال ونمنعك من الملاحقات القانونية)، ليست الحكومة فقط مسؤولة عن الجرائم التي تحدث في طرابلس وما جاورها، بل النيابة العامة تتشارك وتتقاسم معها المسؤولية بامتناعها عن فتح الملفات الجنائية لبعض قادة الميليشيات وامتناعها عن التحقيق فيها، وامتناع الحكومة عن حماية المواطن وتحقيق الأمن يجعلها مشاركة في الجرائم التي تقع وتقيد ضد مجهولين.
ما كان لجريمة بهذا الحجم وهذه الخطورة أن تمر هكذا دون أن توجه فيها التهمة للأجهزة الأمنية والسياسية التي حتى لو لم تكن ضالعة في هذه الجرائم بشكل مباشر فهي مشاركة وضالعة فيها بصمتها وسكوتها وبعدم اتخاذ الإجراءات والسياسات الأمنية التي تكف يد القتلة عن ذبح المواطنين بدم بارد، وليس سكوتها فقط هو من يجعلها مشاركة في هكذا جرائم، بل دعمها المادي للميليشيات ورعايتها وحمايتها وتركها تسيطر على أهم المفاصل الأمنية وعلى مواقع مهمة وحيوية وتغييب المؤسسات الأمنية الرسمية وتهميشها وتغليب الميليشيات عليها.
جريمة كهذه التي لم تجف دماء ضحاياها كان من المفروض أن تكون أقل ردود فعل عليها هو إقالة الحكومة (المقالة أصلًا) وتحويل جميع المنتمين لها إلى النيابة العامة وتقييد تحركاتهم إلى حين انتهاء التحقيقات وكشف الجناة ووضعهم في قفص الاتهام.
وكان يجب أن تكون هذه الجريمة بداية لتحرير الجهاز القضائي والقضاة من الخوف ورفع يد الميليشيات عنهم ليمارسوا وظيفتهم العدلية في جو من الأمن والأمان، إلا أن كل هذا لم يحدث ولن يحدث في ظل وجود سلطة تقايض أمنها وبقاءها في السلطة بأمن المواطن.
نحن عندما نصف واقعًا مزريًا ودمويًّا لا ندعي زورًا ولا نشيطن أحدًا، ولكن ننقل وقائع دموية حدثت وتحدث، ولا نرمي أحدًا بالباطل وبالادعاءات الكاذبة، كما يفعل المنتمون لفبراير الذين يرمون الآخرين كذباً أو بهتانًا وباطلًا.
لم نشهد خلال أربعين عامًا من الأمن والأمان جهازًا أمنيًّا يحشد قواته وعديده لمهاجمة جهاز أمني آخر، ولم يحدث أن مركز شرطة بوسليم حشد قواته ليفتك بمقرات وآليات مركز شرطة سوق الجمعة ويقتل أفراده ويُروع الآمنين القاطنين في جوار المركز، ولم نسمع يومًا أن جهاز مكافحة المخدرات يديره سجين سابق في جناية ترويج وبيع المخدرات واستهلاكها.. كل هذا لم يحدث، ولم يعاقب مواطن في جريمة أو جناية خارج قاعات القضاء، ولم يحدث أن تدخل مسؤول في حكم قضائي وجميع من طالتهم يد العدالة هم خالفوا القانون الجنائي أو تآمروا على أمن الدولة والمواطن أو تخابروا مع دول أجنبية أو انخرطوا في تنظيمات إرهابية ونفذوا عمليات شنيعة استهدفت ضرب الأمن والاستقرار، فكان الرد عليهم من داخل قصور العدالة وصدرت في حقهم أحكام وفق القانون النافذ.
بماذا نصف عمليات القتل التي طالت عائلات بكاملها، وعمليات التغييب القسري، وما تمارسه الميليشيات من عمليات الابتزاز المادي التي شملت طيفًا واسعًا من أبناء الشعب؟
هل نحن بصدد دولة فاشلة، دولة للعصابات؟
إلى متى يستمر الصمت الشعبي على مثل تلك الجرائم التي لن تستثني أحدًا؟
إلى متى يستمر السكوت على هذه الممارسات؟
لا أحد في مأمن من رصاصة طائشة أو القتل غيلة أو اختفاء قسري طالما استمر العبث وغاب الردع وطال الصمت الشعبي.