في الأمر إن!!
مصطفى الزائدي
هذه الأيام يزخر المشهد السياسي بحملات الكثير من الشخصيات التي تسعى إلى تولي منصب رئاسة الحكومة الجديدة، خاصة بعد أن أصبح سقوط الحكومة المفروضة من الغرب في طرابلس أمرًا محتومًا وصار عمرها يحسب بالساعات وليس بالأيام، فلقد تصاعد الصراع الداخلي بين المجموعات المسلحة التي تستند عليها، وكثر الانقسام بينها، كما انخفض تدفق المال العام إلى خزائنها التي كانت توزعه بسياسة “الصريرات” إلى هذا وذاك لكسب الولاء.
أيضًا ما يسمى المجتمع الدولي لم يعد بإمكانه تخصيص وقت كاف لإدارة الأزمة الليبية، فهو مشغول في الحرب الأوكرانية، ومعركة طوفان الأقصى التي فرضتها المقاومة الفلسطينية وأرغمت الولايات المتحدة على تخصيص كل جهدها الحربي والسياسي والدعائي إلى المنطقة، أجج ذلك انفجار الوضع في باب المندب والبحر الأحمر، إضافة إلى الملفات الساخنة التقليدية التي تشغل الغرب كملف الصين والتجارة العالمية وغيرها، كل ذلك جعل ليبيا في آخر قائمة اهتمامات الغرب.
لكن التطورات في الغرب الإفريقي، أشعرت الأمريكان بالخوف من ما يجري في ليبيا، خاصة أن الأدوات التي يستعملونها لاستمرار نفوذهم لا تمتلك الكفاءة ولا المقدرة ولا الوسائل ولا تحظى بأي احترام شعبي يمكنها من الصمود في وجه هذه العواصف العاتية التي تضرب المشروع الغربي في المنطقة وفي العالم، وهنا أتصور أن ما يسمى المجتمع الدولي مضطر لرفع يده شيئًا فشيئًا عن الحكومة التي نصبها، ولكنه لن يسمح بتشكيل حكومة وطنية حقيقية بإرادة شعبية ليبية تهتم بمصالح الشعب الليبي وتعمل لأجله وتسعى للخروج من الأزمة التي ضربت ليبيا.
الأشخاص الذين يجوبون العالم ويطرقون أبواب السفارات الغربية باحثين عن دعم لوصولهم إلى كرسي بالحكومة يحاولون إيهام الناس بأنهم يملكون حظوظًا أكثر من غيرهم نتيجة الدعم الخارجي لهم، دون أن تجد منهم من يقول إنه زار المدن الليبية أو التقى الفعاليات الليبية أو قدم مشروعًا إلى الشعب الليبي، يتنقلون بين المؤسسات الليبية كمجلس النواب والدولة التي يتوقعون أن لها إمكانية تعيين سلطات بديلة لسلطة الدبيبة المفروضة من الخارج!
وهنا أطرح سؤالين: هل يمكن للمؤسسات الليبية أيًّا كان موقفنا منها أن تشكل حكومة بمفردها وخارج نطاق الإملاءات الغربية؟
الإجابة واضحة وقطعية بالنفي، فمجلس النواب رغم امتلاكه الصلاحية القانونية الكاملة لتشكيل السلطة التنفيذية عمليا عاجز عن ذلك، فلقد حاول مرات عدة ولم ينجح، والأمثلة كثيرة، فكان قد اعتمد حكومة عبدالله الثني التي قد كلفها قبله ما يسمى المؤتمر الوطني، لكن تلك الحكومة عزلت دوليًّا ولم تتحصل على الاعتراف، وحل محلها حكومة توافق فرضها برنارد ليون في الصخيرات المغربية، وكذلك شكل حكومة السيد فتحي باشا التي تستمر الآن برئاسة الأستاذ أسامة حماد وحظيت بموافقة أغلبية النواب من الغرب والشرق والجنوب إلا أنها من الناحية السياسية الدولية حكومة غير شرعية ولا يعترف بها أحد وتمارس صلاحياتها فقط في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة لأنها تقدم لها الرعاية والحماية المناسبة! فما المستجد لنتوقع أن مجلس النواب على سبيل المثال يستطيع أن يشكل سلطة جديدة؟
السؤال الثاني ما الآليات الجديدة التي قد يستخدمها ما يسمى المجتمع الدولي لفرض سلطة بديلة ممكنة، في المرات الأولى استخدم خدعة الحوار في الصخيرات وجنيف، حيث استدعى مجموعة من التابعين، للتسويق بأن السلطة التي صنعها هي ناتج فكر ليبي وإرادة ليبية.
في تصوري هذا غير ممكن الآن، فلا يعقل أن يلدغ الليبيون من الجحر ثلاث مرات بدل مرتين! وهم يعانون آثار السموم التي انتشرت في دمائهم من تلك اللدغات القاتلة.
فالمشهد اليوم مكتظ بالتحركات المشبوهة من قبل الطامعين في تولي السلطة! متناسين أن المسألة ليست في تغيير الحكومة ورئيسها، بل في إسقاط المدرسة الدبيبية التي بنيت على الفساد والإفساد، وهذا يتطلب جهدًا ووقتًا، في الواقع الحديث عن تشكيل حكومة جديدة ربما فقط للقول إن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات لبناء سلطة حقيقية يصنعها الليبيون، وتمكين الليبيين من إنهاء الانقسام السياسي المفروض خارجيًّا.
إذا رأيت ازدياد عدد طالبي الولاية فاعلم أن في الأمر إن!!