مقالات الرأي

سقط القناع عن القناع

ناصر سعيد

بينما وأنا أبحث في الشبكة العنكبوتية، استوقفني بيت للشاعر محمود درويش، يقول “سقط القناع عن القناع”، قادني بيت الشعر هذا إلى إعادة التركيز على أحداث عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر التي أطاحت بسردية غربية سادت المشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سردية الغرب الراعي للديمقراطية، الغرب الراعي لحقوق الإنسان، وتحت هذه السردية أزهقت ملايين الأرواح، وتم اجتياح بلدان، وأصدر مجلس الأمن الدولي عديد القرارات الجائرة بحقوق مجتمعات نامية وضعيفة بدءًا من دول أمريكا اللاتينية، مرورًا بالدول العربية والإسلامية، وكل دولة لا تقبل تلك السردية الزائفة تعاقب بقسوة ووحشية.

فيما مضى وسائل الإعلام والصحافة الغربية من أمثال “بي بي سي، فوكس نيوز، أيه بي سي نيوز، سي إن إن، وصحيفة الغارديان، واشنطن بوست، وفيغارو” إضافة إلى الفضائيات العربية الممسوخة التي التحقت بها مؤخرًا، استطاعت السيطرة على مساحة واسعة من الفضاء الإعلامي العربي والدولي، وذلك عبر توظيف التقدم التقني وتسخيره لخدمة مصالح الغرب.

لكن تقنية وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة الآن استطاعت أن تقلب رأس الهرم، فربما يستطيع الصهاينة تقويض المقاومة ويجتاحون المدن، لكن الأزمة الكبيرة التي ستظل تواجه المشروع الصهيوني والغربي هي الجيل الجديد الذي يتعاطى مع وسائل التواصل المختلفة، ويرى بأم عينيه ويسمع بأذنيه، فلم يعد من الممكن تزييف الحقائق، لأن اليوم هناك صورة أخرى وناقلًا آخر من مصادر جديدة تنقل الحقيقة كما هي، ولم يعد المشهد تحت السيطرة الكاملة لأدوات الإعلام الغربي.

حتى أصبحنا في فترة وجيزة نشاهد نخبة من رجال الإعلام ومن القانونيين ومن السياسيين ومن النواب داخل قباب البرلمانات في عدد من الدول، تنتقد بشدة الممارسات الإسرائيلية الظالمة ضد الفلسطينيين، بل وخرجت أصوات قوية داخل أمريكا نفسها، تهدد بأن دعم إدارة الرئيس بايدن للحكومة الإسرائيلية لن يبقى صكًا مفتوحًا على بياض.

لقد حدث تصدع كبير للمنظومة الإعلامية الغربية بسبب القياس بمعايير مزدوجة في تعاطيها الإعلامي مع الحرب في أوكرانيا والحرب في قطاع غزة، فقد أصبحت سياسة “المعايير المزدوجة” غير مقبولة عالميًّا، والغرب بمجمله أصبح عاريًا بكل ما في الكلمة من معنى، وكل التبريرات السابقة للتدخلات الغربية أصبحت مفضوحة لأن الغرب المحكوم باللوبيات الصهيونية لم يعد قادرًا على أن يدافع عن نفسه أمام ما تظهره عدسات الكاميرات البسيطة في مواقع التواصل مثل “تيك توك” وغيرها، من جرائم بشعة.

أعتقد أنه على المدى الطويل من الصعب على الغرب ترميم هذا الانهيار في منظومته.. إذ قد تشترى ذمم بضعة إعلاميين، لكن ذلك لن يطمس فعل وسائل ومنصات إعلامية يشاهدها الملايين من الناس، ومن هنا فضح العدوان الصهيوني الظالم على قطاع غزة، وكذبة أن الفلسطينيين مجرمون وأن الإسرائيليين يدافعون عن أنفسهم، ووجد الغرب نفسه في موقف محرج أمام جرائم الإبادة التي ترتكب ضد شعب أعزل.

وبهذا “سقط القناع عن القناع”
وأصبح الإعلام الغربي مثل إعلام العالم الثالث وأدنى، وحكومات الغرب أصبحت أقل مصداقية من أي حكومة في العالم الثالث.

زر الذهاب إلى الأعلى