مقالات الرأي

مرتزقة وليس مواطنين!

عبدالله الربيعي

في الغالب الليبيون أو بعضهم أو نخبهم التي تتربع على المشهد اليوم، يبدلون مواقفهم تماما مثل نبات عباد الشمس الذي يدور مع تحرك اتجاه الشمس، فتجده في الصباح يميل شرقا ثم عند منتصف النهار لا اتجاه له، ثم مع العصر والغروب يتجه مع الشمس غربا، وفي ساعات الليل تضيع عنه الاتجاهات، فالولاء للمصلحة المادية المباشرة دون النظر لمصلحة الوطن، وأن يلبس برطلتين! ـــ البرطيلة كناية عن التطليين، وبيع نفسه للمحتل ـــ بدل واحدة، مثلما قال خليفة الزاوية متصرف فزان في عام 1928، عندما غزا مرزق منافسوه من عائلة سيف النصر وافتكوا المنطقة منه.

ربما تأصل هذا السلوك المشين في طلاب المصالح وطلاب السلط، والمحكومين بِردَّات الفعل الهوجاء والثأرات الفردية أو القبلية دون حساب قيمة للوطن وما يطلبه الولاء له أولا، ثم النظر لمصلحتهم الفردية والقبلية أو الجهوية، وهنا نذكر تاريخا سلبيا سجلته الذاكرة الليبية، فهذا يجي السويدي الثائر العربي ضد الحكم الانكشاري العثماني يقتل على أسوار باب القلعة من عربي آخر من قبيلة المحاميد، لا لشيء إلا لصراع على السلطة والجاه ويُسلم للتركي الغاصب الذي يمثل بجسد هذا الثائر على الظلم وعلى الإتاوات المضنية التي أرهقت السكان، يسلخ جلده عن جسده ويُبعث به للباب العالي في الآستانة عاصمة الإمبراطورية.

وهذا عبدالجليل قائد الثورة العربية في بدايات القرن التاسع عشر ضد الحكم الجائر القرمانلي يحاصر في قارة البغلة، ويقتل ويقطع رأسه ويعلق فوق باب السرايا، والذي قاد الحصار حسن البلعزي ومعه تحالف من قبائل عربية مناوئة، لها ثارات قبلية! لم يلتفتوا للمستعمر البغيض الذي يستعبدهم، لكنهم نظروا لمصالحهم ولصراعاتهم الشخصية والقبلية، ولم ينظروا لليبيا الوطن والهوية.

هذا التاريخ السيئ الذي نكرره في كل مرحلة لم نتخلص منه ومن آثاره، وكأنه أصبح سلوكا مكتسبا، ونتعامل مع الوطن بسلوك المرتزقة وليس بثقافة وسلوك المواطنة وأن الأرض التي نعيش عليها مقدسة، بمعنى الولاء لها والدفاع عنها، لأنها أرض الآباء والأجداد وهي الأرض المضمخة بدمائهم والتي عاش عليها أجيال تعقبها أجيال، والذي فعلناه أو فعله بعضنا مع السويدي ومع عبدالجليل ومع عمر المختار حيث أسره ليبي مجند في إحدى الباندات الإيطالية فعله بعضنا في 2011 حين ذهب ما يسمى بالمجلس الانتقالي للاستقواء على النظام القائم والتخلص من معمر القذافي وقيادته دون حياء أو خجل، ذهبوا لفرنسا ورئيسها ساركوزي للدفاع عنهم ولتدمير القوات المسلحة المكلفة بالدفاع عن الوطن ووحدته، وهم يعرفون أن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تأت لمناصرتهم أو لنشر الديمقراطية كما يعتقد السذج أو لتخليصهم من الديكتاتورية كما زعموا.

الوطن كما يقول عنه الوطنيون الشرفاء غالٍ وليس له بديل، لماذا نقول ذلك اليوم؟!، لأن الكثيرين منا نحن الليبيين يتحركون في مواقفهم حسب مصالحهم الدنيا والمباشرة، يبدلون المواقف الجغرافية والسياسية!، مثلما يبدلون ملابسهم، الثابت الذي لا يتغير هو الوطن، استقلاله وسيادته ولشعبه جميعا دون استثناء مواطنين وليس مرتزقة أو بندقية للإيجار تتحول من كتف إلى آخر وتنتقل الولاءات حسب العطاء أو حسن الاستقبال والدور، المرتزق لا ولاء له، ولا معوِّل عليه، ولن يكسب النصر، وولاؤه لمن يدفع، وسيهرب وينجو بنفسه في أول مواجهة وشدة، لهذا وجب على أصحاب المشروع الوطني أن يتبينوا ويفرزوا الغث من السمين وأن يفرقوا بين الوطني الحقيقي وبين المرتزق، ونحن نعتقد أن كل المنافقين والمتلونين والصفاقين ولاؤهم لمصالحهم وللعطايا التي تمنح لهم، ويوم لا يعطوا أو يمنحوا سيغيرون ولاءهم، فثمنهم رخيص وقيمتهم أقل مما يتصور البعض، فالأوطان تبنى بالرجال الأحرار المواطنين، فليس المواطن الذي يحمل رقما وطنيا! كما يعتقد البعض، ولكن المواطن الذي ولاؤه لوطنه ولشعبه وليس لجيبه أو ولاؤه للعطايا والمُنح التي تمنح أو تعطى له لشراء ولائه وموقفه.

زر الذهاب إلى الأعلى