ماتت رهف.. ماذا عنكم؟
بقلم- د.عفاف الفرجاني
“أنا متت.. خلاص يا رب ارفعني نلحق رهف بنتي.. الله الله.. يا عفاف ساعديني، تكلمي عليها، عمرها 20 سنة في ثالثة قانون، كسروني كسروني”.
هكذا وصلتني هذه الرسالة على صندوق الرسائل بالفيسبوك من حساب صديقتي المحامية ميسون.
لم أستوعب الأمر، فالصدمة كانت كبيرة، رهف، تلك الفراشة البريئة وحيدة والديها، ذات التسعة عشر ربيعًا، تُقتل جهارًا نهارًا في أحد شوارع العاصمة طرابلس بطلقتين اخترقتا جمجمتها لتستقر ميتة داخل سيارتها على يد ابن أحد قادة الميليشيات المسلحة التي تسيطر على طرابلس منذ زهاء اثني عشر عاما.
قُتلت رهف قبل أن يتحقق حلمها بالحصول على درجة ليسانس الحقوق، لتساهم في بناء دولة يسودها القانون، الأم المحامية أصيبت بجلطة وهي قابعة في إحدى مصحات طرابلس، لا تتكلم، وحدها يدها التي بقيت سليمة لتنقل حقيقة قتل وحيدتها، والأب لا يملك أمام هذه العصابة إلا التضرع إلى الله وحده أن يرحم ابنته وينتقم من الظالم.
أيا كانت بواعث هذه الجريمة النكراء لا يوجب علينا إلزام التقصي عن الأسباب، لعدم كونها ركنا من أركان الجريمة التي تعفي الجاني من جريمته، رهف ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في قائمة المغدور بهن في بلدٍ تحكمه البندقية ويدوسه حذاء المجرم، في كل جريمة ضحيتها سيدة تبرر على أنها طرف في علاقة محرمة مع الجاني، مع أن المنطق نفسه يدحض هذه النظرية الجبانة، فلولا تصدي السيدة للمجرم وعدم انصياعها له لما كانت هناك جريمة أصلا، أيضا ليس القاتل وحده المتورط في الجريمة، بل هناك تواطؤ من المجتمع وغياب للعدالة الاجتماعية والقانونية.
هذه الجريمة تضاف إلى مئات الجرائم التي لقيت فيها نساء وفتيات حتفهن دون عقاب للجناة، والأكثر من ذلك هو ردود أفعال أبناء الوطن حيال قتل نسائهم التي نقرؤها على صفحات التواصل الاجتماعي فور نشر الخبر، حتى أنها أصبحت متوقعة من خلال قذف المجني عليها بعبارات الشك والاتهام، وأحيانا تصل للشتم أيضا، كيف لمواطن صالح واعٍ يعرف معنى أن تقتل روح فتاة في ربيع عمرها بدم بارد على يد مجرم في قبضته السلطة والمال وتحت أقدامه القانون، يتركه ويحمل الضحية الذنب، لم يعد يسعني إلا أن أقول هنيئا لكم هذا الشرف المخبأ في جيوبكم يخرج وقت الحاجة، هنيئا لكم انبطاحكم وجبنكم، لن تكونوا إلا أسياد الظلم والرياء، فلا مبرر قد يعطي الحق لأي إنسانٍ بإنهاء حياة شخص آخر إلا الله وحده.
في تقديري ليس وحده القانون الذي غاب في هذا الكم من الجرائم التي حصلت وستحصل، فالمجتمع الذكوري الراعي الرسمي والداعم المعنوي الحقيقي الذي يبرر للقاتل جريمته، تحت مسمى هو رجل وهي امرأة، فالخلط الممنهج للحلال والحرام وتبرير الوقائع في هكذا حالات ليس لإفلات الجاني من العقاب وخوفهم عليه، بل لإخفاء العجز والخوف والتخاذل الذي أصبح يعيشه المواطن بينه وبين نفسه من هؤلاء العصابات، ليجعل شماعته الطرف الأضعف في المعادلة.