مقالات الرأي

‏كلام في كلام رئيس الحكومة !!

د. مصطفى الزائدي

‏لا شك أن ما سببته الأحداث منذ 2011 من تأثيرات خطيرة على النسيج الاجتماعي الليبي المترابط والخرق الكبير الذي أوقعته به، وحجم الدماء التي سالت دون سبب والانتهاكات التي ارتكبت والمظالم التي لحقت بالناس تتطلب مشروعا وطنيا للمصالحة، لكن ذلك ليس الأولوية بالنسبة لليبيا والليبيين، فهي بلد محتل يخضع للوصاية الدولية لكونها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما أنتجه من نفوذ كبير للدول الأجنبية وخاصة الغربية الكبرى عليها، ‏وأيضا لأن ليبيا ليست دولة بالمفهوم الحقيقي للكلمة، فلا توجد بها سلطة وطنية واحدة ولا تمتلك سيادة كاملة على إقليمها، فالمؤسسات الليبية السياسية والأمنية منقسمة على بعضها وهي متصارعة فيما بينها ويترأسها أناس بدون شرعية وطنية ولو شكليا، لو استثنينا مجلس النواب في المنطقة الشرقية الذي يتمتع بقدر‏ من الشرعية لكونه آخر جسم منتخب رغم انتهاء مدته بحكم القانون الساري المفروض منذ 2011.

الأولوية بطبيعة الحال بناء دولة مستقلة تستطيع التعامل مع المشاكل الناتجة عن الأزمة، وهذا لا يتم إلا بأحد طريقين، إما حل سياسي من خلال تفاهم واسع يقود إلى حل تتفق عليه الأطراف، ينتج سلطة واحدة، أو أن يتمكن طرف من فرض سلطة واحدة بالقوة، وكلاهما ينبغي أن يسمح بإجراء انتخابات يختار فيها الليبيون سلطة تمثل الحد الأدنى لتصوراتهم.

ولكون المصالحة الوطنية أحد أهم الأمور التي تستوجب المعالجة السريعة فهي تحتاج إلى مؤسسات راسخة وقادرة على الإيفاء بمتطلباتها، وما نشهده من دعايات وحراك متواصل بمسميات مشاريع للمصالحة الوطنية لا يخرج من دائرة العبث الذي تشهده الأزمة الليبية، وربما إحدى الوسائل للسطو على المال العام، فالليبيون يدركون عدم جدية المؤسسات الشكلية الهشة المسيطرة في إقامة المصالحة وعدم مقدرتها على ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولعل ما قاله رئيس الحكومة يوم الجمعة 16 فبراير، وهو يتحدث لبعض الشباب الغاضبين من حجم التبذير تحت بند الاحتفال بذكرى فبراير في وقت لم يستلم المواطنون رواتبهم لعدة شهور وتنعدم السيولة في المصاريف، ولا تزال أسر المنكوبين تعاني آثار فيضانات درنة، وما يرون في ذلك من استهتار بالدماء العربية الزكية التي تسيل في غزة نتيجة العدوان الوحشي الصهيوني على ملايين الفلسطينيين الأبرياء، ففي رده قال رئيس الحكومة بالحرف “من يريد أن يحتفل بفبراير ويتعامل معها فعليه المغادرة”، وهو منطق إقصائي نقيض لخطابات المصالحة المزيفة، وهو ما تمارسه المؤسسات التي تسيطر على الدولة عمليا، فكل سياساتها تقوم على الإقصاء لكل مخالف لها، وتمنع ما تستطيع منعه على كل معارض لعبثها، وهذا يبين بوضوح أن هذه المؤسسات لا يمكن أن تكون أمينة على تحقيق مصالحة وطنية جادة بين الليبيين، وأن ما نراه من جعجعة ليس سوى بيع للوهم!

للمصالحة اشتراطات واستحقاقات، ومن أول شروطها اقتناع الأطراف بضرورتها والحرص على إنجازها، واتخاذ إجراءات عملية التهيئة لها يقع في إطار بناء الثقة، ومن الإفراج الفوري على السجناء دون استثناء ولا شروط، ووقف ملاحقة الناس بسبب قناعاتهم السياسية، ويستثنى من ذلك المجموعات الإرهابية والتكفيرية التي يندرج التعامل معها في إطار المصالحة الوطنية، وثانيا العفو عن الحق العام وتأجيل البت في قضايا الحقوق الخاصة إلى حين تمكن القضاء من العمل في ظروف ملائمة، ثم يتم جبر الضرر ورد المظالم من خلال مؤسسة قضائية تستطيع أن تؤدي مهمتها دون تدخل.

ومن هنا يتضح أن التفكير في المصالحة من خلال إصدار قانون لها أو صياغة قوانين خاصة تحت بند العدالة الانتقالية وفي معناها الحقيقي عدالة انتقائية، فالعدالة واحدة ولا يمكن تصنيفها، وهذا أيضا بعض من التلاعب بمشاعر الناس وبيع الوهم!

الأهم من كل ذلك هو العودة إلى أساس الأزمة التي سببت الصراع، ورفض الآليات التي يحاول البعض فرضها كواقع لا يمكن الخروج عليه، ليتاح للناس مناقشة جادة تبنى عليها أسس بناء ليبيا الجديدة، فالحاجة إلى التوافق حول النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي قاعدة ضرورية ليقاس وفقها متطلبات المصالحة من ناحية وشكل الدولة وطبيعة ضوابط العلاقات بين الأفراد. وبينهم وبين الدولة.

خلاصة القول: ليبيا لنا جميعا شاء رئيس الحكومة أم أبى، اقتنعنا بفبراير أم رفضناها، وعلينا أن نتفاهم على سبل التعايش السلمي بها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى