مقالات الرأي

المرتزقة

بقلم – رئيس التحرير – ناصر سعيد

الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم تعرف المرتزق بأنه “شخص يجند خصيصاً، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي”.

فالمرتزق هو من يبيع ولاءه وسلاحه لمن يدفع أكثر، فيحارب من أجل المال، إذ تجده يحارب اليوم مع طرف وفي الغد مع خصمه، لأنه دفع له أكثر، ولعل الأخطر والأحط في المرتزق أنه عادة لا يحارب مقابل أجر محدد، ولكن مقابل أن تطلق يده في السلب والنهب والتدمير والاغتصاب.

وبعكس ما يظنه البعض، فإن الارتزاق ظاهرة قديمة عُرفت على مدى العصور الماضية، وخلال القرن الماضي، استخدمتهم المخابرات المركزية الأمريكية والشركات الأمنية الخاصة في الحرب الأمريكية على فيتنام.

وتستخدم حاليا دول غربية المرتزقة لحماية مصالحها الاقتصادية والنفطية في إفريقيا وآسيا، ومن نماذج ذلك الشركات الأمنية في أفغانستان، والعراق وليبيا، كما تستخدم تركيا المرتزقة في سوريا وليبيا حتى يومنا هذا، وتستخدمهم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وكذلك الكيان الصهيوني يستخدم حالياً آلاف المرتزقة في حرب الإبادة التي يشنها على فلسطينيي قطاع غزة.

في المقابل، والبديهي أن يكون الدفاع عن الأوطان بتضحيات أبنائه وفداء الوطن بالأرواح ضد الغزو والاحتلال الأجنبي، ومن المعيب استجلاب المرتزقة للدفاع عنه بالوكالة، وما قيمة الوطن إذا أوكلت مهمة حمايته والدفاع عنه بالوكالة للمرتزقة وبمقابل مادي؟ فأي أحاسيس ومشاعر وكرامة يحميها ويقاتل عنها مرتزق، لا تعدو كونها مظاهر زائفة يفتقر مدعوها إلى الانتماء والولاء الوطني.

وسائل إعلام عربية وغربية ادَّعت زوراً بحسب مصادر مفبركة سمُّوها شهود عيان، فرية استخدام النظام الليبي في أحداث فبراير لمرتزقة أفارقة ضد بعض المدن.. إلا أن ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، وإنما كان ضمن أجندة حملة أكاذيب روج لها الغرب لتضليل الشعوب ضمن مشروع الفوضى الخلاقة وما سمي الربيع العربي.. المفارقة هنا هي أن التحالف الناتوي المعادي لليبيا آنذاك هو من استخدم مرتزقة من أمريكا وأوروبا ومتطرفين إسلامويين عربا للقتال ضد القوات المسلحة العربية الليبية.

وغني عن القول إن علاقة ليبيا آنذاك – ممثلة في نظام وطني تحرري مناهض للاستعمار والامبريالية – ارتبطت بعلاقات قوية مع الدول الإفريقية مبنية على أسس نضالية وكفاحية مشتركة مع زعماء وقادة أفارقة مناضلين. ولم تكن لليبيا أية علاقة من أي نوع مع عصابات المجرمين والمهربين وتجار المخدرات وقطَّاع الطرق الذين يتحولون عادة إلى مرتزقة تحت الطلب مقابل المال، يستخدمهم زعماء المافيات في تجارتهم اللامشروعة، كما يستخدمهم زعماء جماعات المعارضة في نزاعاتهم مع الأنظمة الحاكمة على السلطة فيدخلون بلدانهم في أتون الحروب الأهلية لغايات وأهداف غير وطنية تزعزع الاستقرار والأمن، وتتسبب في خراب ودمار الأوطان وجلب الموت والعوز والفقر للشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى