الربيع والقطيع !!
ناصر سعيد
عندما تتهيأ الظروف الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للثورة على الأوضاع القائمة، تفرز قوة حية ثورية تحمل مشروع التغيير الثوري الذي يلبي طموحات الشعوب المعنية بالتغيير إلى واقع أفضل يكفل الحريات السياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية، ويدعم السيادة والتحرر الوطنيين، أي بصيغة أخرى ذلك المشروع التحرري في أفق وطني وديمقراطي، كما كان الحال في منتصف القرن العشرين بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 التي ساندت ودعمت حركات التحرر الوطني بالمنطقة العربية في ليبيا والجزائر واليمن والعراق وسوريا والسودان من دول والقارة السمراء الكونغو غينيا غانا زمبابوي وجنوب افريقيا ضد الاستبداد والاستعمار والميز العنصري.
إلا أننا في موجة ما يسمى الربيع العربي وجدنا أنفسنا أمام قوة غامضة وظفت الفوضى وانخرط في هيجانها شباب غاضبون يساقون كالقطيع من خلف شاشات قنوات فضائية تمولها وتديرها فئة صغيرة تتركز بيدها السلطة والمال “الأوليغارشية”، وهي حكومات رجعية عميلة، شكلت أداة لضرب المشروع العربي القومي خدمة وتنفيذًا لسياسات القوى الغربية والأمريكية، وروجت شعارات رنانة وزائفة عن الديمقراطية والتعددية وتحرير الإعلام وحرية التعبير.. الريبة في أن هكذا حراكا تحركه قنوات أنظمة خليجية متخلفة متكلسة في عروش وممالك تمنع فيها المرأة من قيادة السيارة أو حتى حضور مباراة كرة قدم الى وقت قريب، أنظمة تفتقد الحياة البرلمانية والسياسية والنقابية حتى.
إذا كان الشباب هم من خطط لما حدث في المنطقة ورافعتهم نضالية وثورية في ذلك للتخلص من البطالة والتهميش، فكيف نفسر إقدامهم على حرق مواطن العمل الخاصة والعامة؟ وتسليم “ثورتهم” إلى عجائز السياسة ومزدوجي الجنسيات والتنظيمات المتطرفة لحكمهم، ومن تم لاذوا بالفرار عبر البحر بالآلاف في هجرة طلبًا للجوء بعد انهيار الأمن وضيق العيش.
إن الذي حدث لم يكن ربيعًا عربيًّا ولا ثورات إنما كان تنفيذًا محكمًا لمخطط “برنارد لويس” الذي وضعه بتكليف من “البنتاغون” إبان أحداث 11 سبتمبر 2001 والقاضي بإقامة الشرق الأوسط الكبير من الباكستان إلى مراكش من خلال تفجير دول هذا الحيز الجغرافي، وإعادة تقسيمها إلى دويلات على أسس دينية طائفية تمهيدًا لإقامة الدولة اليهودية الكبرى، وقد بدئ تنفيذ هذا المخطط بالحرب على أفغانستان، ومن ثم الحرب على العراق، ولأن كلفتهما الباهظة من أرواح الجنود الأمريكيين والمال والعتاد والسمعة الدولية السيئة جدا دفع بواشنطن إلى اعتماد مخطط “برنارد لويس”، ولكن بتنفيذ مختلف، فقد تم اعتماد سيناريو تونس ومصر الذي حقق الفوضى المستمرة في هذين البلدين في تلك الفترة، هذه الفوضى جعلت النظام في ليبيا مكشوفًا بعد إسقاط نظامي بن علي ومبارك، وتمكن الغرب من النيل من ليبيا باستخدام الناتو لتشمل هذه الفوضى الخلاقة ليبيا أيضًا بعد أن تم السطو المسلح على ثرواتها الذى ما زال مستمرًّا حتى يومنا هذا، وتعيش ليبيا معه فوضى السلاح والعبث والانقسام السياسي والمؤسساتي.