الحرب والعرب !!
عبر التاريخ كانت منطقة الوطن العربي ساحة لحروب مستمرة بين قوى مجاورة مختلفة استهدفت السيطرة عليها، فمن المؤكد أن ذلك لم يكن مصادفة، بل لسبب يكمن فيما تمتلكه من مقومات جغرافية واقتصادية وتاريخية، فصراع الفرس والروم والإغريق والوندال والبيزنطيين في التاريخ السحيق كان هدفه السيطرة على شرق وجنوب المتوسط. ومن يفعل ذلك فهو يسيطر على العالم!! في التاريخ القريب حروب الإسبان والبرتغاليين والأتراك والألمان والطليان إضافة إلى الإنجليز والفرنسيين تركزت أيضا في شرق وجنوب المتوسط، فالسيطرة عليها بالنسبة لهم سيطرة على العالم!!
فهل نحن العالم؟ ولماذا نستهدف بكل هذا العداء من الكل تقريبا؟ بالرغم من أن العرب دائما كانوا مسالمين ولم يسجل أن اعتدوا على الأمم المجاورة، وكانت المنطقة موطنا لأهم الرسالات السماوية ومركزا للدعوات الإنسانية!
لا شك في أن كل حملات الحروب الصليبية جزء من حلقات متصلة للسيطرة على هذه المنطقة. وفي هذا رد واضح على القائلين بأن من يتحدثون عن استهداف الوطن العربي وسكانه، إنما هم يتوهمون نظرية يصنعونها تعتمد على فكرة المؤامرة الخارجية للتغطية على الفشل الداخلي الذي يضرب أطنابه عندهم!
لكن الماء يكذب الغطاس على رأي المثل الليبي. فما يجري طيلة هذه القرون التي دون فيها التاريخ الإنساني لم تشهد منطقة في العالم حروبا كالتي شهدتها منطقتنا العربية كمًّا ونوعًا. ففي القرنين التاسع عشر والعشرين اجتاحت الوطن العربي الحروب الاستعمارية التي اشترك فيها كل الغرب، من البرتغال وإسبانيا حتى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وقُسِّم بينهم كمستوطنات لمواطنيهم.
في القرن الماضي كانت المنطقة العربية ساحة لأهم معارك الحرب الأوروبية الأولى والثانية وأكثرها شراسة. وفي هذا القرن الجديد الواحد والعشرين الذي انقضى ربعه الأول، كان الوطن العربي ساحة الحرب الرئيسية بلا منازع، وبالتأكيد لن يكون آخرها هذا العدوان الذي يشنه الغرب وأداته إسرائيل على العرب في غزة والضفة، والعدوان الأمريكي البريطاني وحلفائهما الأوروبيين والكنديين والأستراليين على اليمن والعراق وسوريا وليبيا وغيرها! باستثناء حالة الحرب الأوكرانية المحدودة.
إن كل سنوات الربع الأول تقريبا تشهد اعتداءات قوية على الوطن العربي بداية من الهجوم على العراق واحتلاله وتدمير جيشه ومؤسساته إلى الهجوم على لبنان عام 2006 في محاولة لتدميره وتخريب بناه التحتية إلى العدوان الأوسع عام 2011 على ليبيا وتدميرها وتحويلها إلى دولة محتلة تحت الوصاية الدولية ثم العدوان المتصل إلى الآن على سوريا والعدوان على اليمن وما يجري اليوم في غزة هو سلسلة من تلك الحلقة التي بدأت في 2003 بالعراق تحت شعار تحرير العرب من دكتاتورية الأنظمة. لكن ما حدث أن استُعبد العرب لأعدائهم وانتهكت بلدانهم ونهبت مواردهم وثرواتهم!
اليوم علينا أن نعود إلى نفس السؤال: لماذا منطقتنا مهمة إلى هذه الدرجة؟ حيث تتكالب عليها كل القوى التي تحاول التحكم في العالم، رغم اختلافها وتعددها في الشكل والمضمون، فالفرس ليسوا الإيرانيين اليوم، والترك ليسوا عثمانيي الأمس، حتى وإن وجدت بعض صلات بقدر معين تربط هذا بذاك. وكذلك فإن الأمريكان وأداتهم إسرائيل ليسوا بريطانيا الأمس، ولا فرنسا كما كانت بالأمس وإن كانت أيضا توجد بينهم روابط عدة!
لماذا تهتم أمم بعيدة بالوطن العربي وتسعى لاحتلاله والسيطرة عليه؟
ربما من المفيد التذكير بأن أول معركة بحرية خاضتها أمريكا بعد الحرب الأهلية والاستقلال عن التاج البريطاني خارج القارة الجديدة، كانت على شواطئ الوطن العربي! حيث حاولت البحرية الأمريكية في وقت مبكر السيطرة على البحر المتوسط. لكن بحرية القرهمانليين الذين استقلوا بطرابلس تصدت لهم وهزمتهم وأرغمتهم على دفع الفدية!
بالتأكيد في كل مراحل الصراع كان العرب قادرين على تقديم التضحيات المناسبة من أجل تحرير بلادهم والتصدي للعدوان عليهم، ولم يتمكن المعتدون من الاستقرار في المنطقة، وكانوا دائما يخرجون خائبين منكسرين ولو بعد حين.
ما نشهده اليوم من صمود أسطوري للمقاومين في فلسطين واليمن وإصرار على مقاومة الأمريكان في العراق رغم نجاحها في وقت سابق في تدمير جيشه وتفتيت العراق وتنصيب عملاء أذلاء عليه. وقدرة الشعب الليبي والسوري على التصدي للعدوان المستمر عليهم يؤكد أن هذه المرحلة من الحروب الخارجية على الوطن العربي مصيرها الفشل الذريع.
على النخبة القومية أن تثق بنفسها وبقدرتها على صناعة التاريخ. لكن الأهم أن تدرك أن الله سبحانه وتعالى منَّ علينا بأن أوجدنا في هذه المنطقة المهمة من الكرة الأرضية وحمَّلنا مسؤولية الدفاع عنها وحمايتها من أجل الإنسانية قاطبة.