مقالات الرأي

تفريط على المكشوف!!!

عثمان الحضيري

أجرى قطاع النفط خلال 60 عاما من تاريخه العتيد العديد من جولات المفاوضات لعقود الامتياز والعشرات من اتفاقيات عقود المشاركة والمقاسمة، ولم تتطفل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال مرورا بالنظام الجماهيري في تلك المشاورات والمفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر، وكانت تلك المفاوضات تدار من خبراء أكفاء من (الماليين والاقتصاديين والقانونيين والجيولوجيين) وعلى إلمام تام بالشروط الواجبة في تلك الامتيازات والقطع الاستكشافية وبإشراف مباشر من وزارة النفط إعمالا للقانون.
وفي فترة غياب الوزارة تقوم المؤسسة بإعداد فريق متخصص يضع في حسابه حقوق الشعب وثرواته نصب عينيه، حيث يقدم ما توصل إليه إلى لجنة مختارة من الوزراء مشهود لهم بالمعرفة والتجربة، وتقتصر مداخلاتهم على الاقتصاديات وشروط الاتفاقية ولا علاقة لهم بالشركات المتقدمة أو جنسيتها إلا من حيث الخبرة والملاءة المالية لتنفيذ الالتزامات الواردة في مشروع الاتفاقية محل التفاوض سواء (استكشافا أم تطويرا).
أما اليوم فيتم انتقاء الأشخاص الذين يشاركون في التفاوض تحت عيون وتطفل (رئيس الحكومة) ومن يحقق مصالحه، ناهيك من تطفل أذرعه لدرجة الاستفزاز والاستهتار بالخبراء والتشكيك فيهم.
لم يقع يوما أن تم الزج بالسلطة التشريعية أيا كانت التسمية (النواب والأعلى) في أعمال تخص قطاع النفط (اتفاقيات وعقودا)، وهذا المنحى خطير وسابقة لا مثيل لها سوى زج المؤسسة في مهاترات سياسية، ولأول مرة تدور مناقشات لمشروع اتفاقية بمجلس الوزراء الذي يتوجب أن يكون سلطة (محايدة) تراقب الوضع الاقتصادي والقانوني لأعمال المؤسسة من خلال وزارة النفط، كان الأجدر وفي ظل الشكوك اللامتناهية التي عبر عنها خبراء النفط في مذكراتهم والتي تبناها (مجلس النواب ومجلس الدولة والنائب العام وديوان المحاسبة) أن تشكل لجنة تتمتع بالمصداقية والحياد لأجل مراجعة مشروع الاتفاقية ولا تخضع لمزاج الحكومة، لا ننسى سلطة النائب العام التي حددت أسباب عدم الاستمرار في مشروع الاتفاقية وإيقاف التفاوض إلى حين إجلاء الحقيقة ومدى اتساقها مع المصلحة العليا للدولة.
أما في شأن صفقة حقل الحمادة NC7 والإصرار على تمريرها فنحن لسنا معارضين لتطوير الحقل، كما أننا خارج أي تجاذبات واختلافات بين هؤلاء الذين يتصدرون المشهد السياسي (البائس)، ولكن من وازع الحفاظ على الثروة النفطية وبعد عشرات السنوات من العمل الشاق وجهود الآلاف من العاملين والخبراء طيلة ما يزيد على 60 عاما فإن الأمر يتطلب التنبيه إلى الآتي:
أولاً: أن الحقل المعروف بالقطعة NC7 والمكتشف من الستينيات تم به حفر ما لا يقل عن 73 بئرا، منها 39 منتجة للنفط والمكثفات والغاز ولم يتم تطويره في السابق بسبب انعدام البنى التحتية لمعالجة وتصدير الغاز، الأمر الذي انتفى اليوم مع تطوير الغاز البحري (حقل السلام) وتطوير حقل الوفاء، وإنشاء المجمع العملاق (بمليته) وكذلك خط التدفق الأخضر الناقل للغاز إلى (صقلية) وربطه بشبكة توزيع الغاز بأوروبا والانتهاء من خط غاز الساحل الليبي.
ثانياً: قامت شركة الخليج العربي للنفط قبل 2011 بدراسات اقتصاديات وفنية للحقل وتم الجزم بإمكانية إنتاج النفط والمكثفات بكميات هائلة، وعدلت الإدارة حينها عن فكرة الإنتاج بالنظر لكميات الغاز الكبيرة التي سيتم حرقها في حالة إنتاج النفط فقط.
ثالثاً: لا يعقل أن تطلب مؤسسة النفط من مستثمر أجنبي راغب في الدخول في اتفاقية لتطوير وإنتاج الحقل القيام بهذه الدراسة لتحديد الاحتياطي الغازي في المكمن، ويتم التنازل له بنسبة 40 % وهو أمر غير مقبول، ولم يسبق للمؤسسة أن قدمت تلك النسب لأحد من الشركاء في تاريخها، ولا يمكن لشريك أن يجازف في الاستثمار إذا لم يكن واثقا أن الحقل (اقتصادي) ومردوده مجدٍ، ولهذا نرى ضرورة أن يكون هذا الحقل تحت إدارة ليبية وتطويره بذات الآليات التي قامت بها المؤسسة في السابق وبنسبة 100 % عن طريق فريق من شركة الخليج أو من خلال جهاز مستقل يتبع المؤسسة مؤقتا إلى حين استكمال تطويره.
رابعاً: لم يكن في تفكير أي من الخبراء النفطيين ومن سموهم بحزب (الكنبة) الوقوف ضد مبدأ المشاركة مع المستثمرين الأجانب (خاصة شركاءنا التقليديين)، ولكن هذا ليس في المشروعات ذات المخاطر المنخفضة أو المعدومة، بحيث يتم من خلال دعوة الشركات الراغبة في الاستثمار بطريقة شفافة عن طريق العطاء العام، وهو المبدأ الذي جسدته المؤسسة في العديد من جولاتها السابقة، أما مبدأ التكليف المباشر فأقل ما يقال عنه إنه فساد في أعلى معانيه وخيانة لهذا الجيل والأجيال القادمة!.
خامساً: من المؤسف أن يسمي البعض مشروع الاتفاقية سيئ الصيت باتفاقية (إبسا) بمعنى اتفاقية استكشاف وإنتاج النفط، إذ إن هذه الاتفاقية هي اتفاقية تطوير (NC7 ديبسا) والفرق كبير جدا بينهما في المعنى والهدف.
سادساً: في حال أن تقرر تطوير وإنتاج القطعة عن طريق مستثمر أجنبي (ونحن ضد هذا التوجه) فإن نسبة 40 % مبالغ فيها وهي بيع بالمكشوف لثروة الشعب، مع العلم أن البعض يتعلل بنسبة المشاركة لحقل الوفاء متناسين أن النسبة في حالة حقل الوفاء (تشمل القطع البحرية) وسببه أن تطوير الحقل في حاجة إلى إمكانيات مالية عالية جدا وظروف التفاوض كانت صعبة نظرا لحالة (الحصار الظالم الذي فرض على البلاد حينها).
سابعاً: فيما يتعلق بالتمويل المالي الذي يدعي البعض صعوبته فنحن نقول إن أدوات التمويل الليبية متوفرة ويمكن استرجاعها خلال 5 سنوات إذا توفرت النية الصادقة.
وأخيراً فإننا ندرك جيدا الضغوط التي يحاول فريق (رئيس الحكومة) ممارستها على الخبراء وإيهامهم أن هذا الموضوع استراتيجي وتتوقف عليه الرؤية المستقبلية للعلاقات الليبية مع تلك الدول، وهذا هراء، أما الإتيان ببعض الأشخاص لتمرير الصفقة ومعروفين بمنطق (عايزها الزاي يا بيه) أضحى مفضوحا للجميع، وسيكون لنا لقاء آخر في ساعة الحقيقة.
أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت.

زر الذهاب إلى الأعلى