مقالات الرأي

إلى الخلف در!!

مصطفى الزائدي

‏دعوات غريبة تنتشر هذه الأيام تنادي بإقامة نظام ملكي في ليبيا بدعم من المستعمر العجوز بريطانيا وبعض الأطراف الإقليمية التي لم ترد يوما لليبيا الاستقرار.
الهدف تجاوز فكرة الانتخابات التي يطلبها الليبيون، لكن من يسوق للملكية يحاول أن يجد مبررات قد تنطلي على البعض، كالقول بأن الملكية تعني الاستقرار، وأن سنوات الملكية في ليبيا كانت زاهية، وأن الخروج من مأزق الدستور يمكن بالعودة إلى دستور 51، وأن الأسرة السنوسية تحظى باحترام وقبول جميع الليبيين.
هذه الأطروحات الساذجة لا تستند إلى المنطق ولا الواقع، فالقول بأن الأنظمة الملكية مستقرة، لا يوجد له ما صدق، لأن الأنظمة الملكية لم تعد موجودة ضمن النظم السياسية المدنية الحديثة، فلقد عصفت بها الثورة الكبرى التي اجتاحت أوروبا منذ قرون، ولم يتبق منها سوى رسومات وصور في المتاحف! فلقد أسقطت الإنسانية بتطورها الحضاري الملكية من قاموسها السياسي والاجتماعي، فلم تعد أسر بعينها تمتلك البلدان والسكان، وقدمت الشعوب ملايين الضحايا وكمًّا هائلا من المعاناة لتدفن فكرة تملّك الشعوب، ومن تبقى من أنظمة ملكية محدودة جدا في العالم الغربي مجرد أشكال فولكلورية تستخدم للترويج السياحي، ولا علاقة لها بالسلطة ولا بالإدارة، أما النموذج القميء في منطقتنا العربية فهو مجرد استمرار لسياسة المستعمر باستخدام مشايخ القبائل لتأمين مصالحه ونفوذه وهكذا هم فاعلون!
‏أما الادعاء بأن فترة الحكم الملكي كانت فترة مزدهرة في ليبيا فقول مردود عليه، فقد كانت المرحلة استمرارا حرفيا لمرحلة الاستعمار الإيطالي، حيث استمر المستوطنون الإيطاليون في السيطرة على الاقتصاد بكل أنواعه الزراعية والصناعية والتجارية، وتولى الإنجليز إدارة سياسة الأمن مع الأمريكان، وبقيت القواعد، وقد يستغرب الشباب اليوم أن أقول إن الموظفين الكبار في الأمن وكذلك وزارات الداخلية والمالية والنفط هم إنجليز.
سيقول قائل إن ليبيا كانت بلدا فقيرا، لكنه يتناسى أنه مع بداية الستينيات اكتشف النفط وبدأ تصديره، لكن الشركات الأجنبية احتكرته واستحوذت على عوائده، واتسمت تلك الفترة بالفساد الذي يشابه تماما حالة الفساد التي نراها اليوم في ليبيا.
أما القول بأن العودة للدستور 51 يحل أزمة الخلافات على الدستور فهو قول مليء بالسطحية والسذاجة، فلا يعقل أن تكون نصوص كتبت في منتصف القرن الماضي صالحة للعمل في المنتصف الثاني من القرن الحالي مهما كانت قوة هذه النصوص وعبقرية من كتبها، وإذا كان الأمر كذلك فلنعد إلى دستور الجمهورية طرابلس الذي صدر عام 1918 وكان وقتها من أكثر الدساتير تطورا، إن احترامنا لدستور الجمهورية الطرابلسية ودستور 51 يتطلب فقط أن نضعه في المتاحف ونطلع عليه.
‏الأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الدعوات ترتبط بشخص معين وهو محمد السنوسي، ويوصف بولي العهد، دون توضيح ممن عينه وليا للعهد، فعادة أولياء العهد يعينهم الملوك! وماذا عن أفراد العائلة السنوسية الآخرين ربما فيهم لو سلمنا جدلا بحقهم في تملك ليبيا من هو أكفأ لتولي المسؤولية!
السؤال لماذا للسنوسيين حق تملك ليبيا؟ هل لكونهم حركة صوفية ساهمت في الحفاظ على الدين الإسلامي، أم لكونهم عائلة شاركت في الجهاد الوطني، أم لكون أحد أبنائها عينه الإنجليز ملكا على ليبيا لفترة استمرت 18 عاما؟
القول بأن العائلة السنوسية صوفية وبعضها مجاهد لا شك فيه، لكن لماذا يهمل الشق المجاهد من العائلة السنوسية وهو ليس شق محمد الرضا، فإن الشق المجاهد من السنوسيين هم السادة الأفاضل أحمد الشريف وصفي الدين السنوسي، ولو كان دورهم في الجهاد يعطيهم حق تملك ليبيا، فبنفس المنطق يكون لعوائل عمر المختار ورمضان السويحلي وعبدالنبي بالخير وخليفة بن عسكر والصويعي الخيتوني وسوف المحمودي ويوسف بورحيل والفضيل بوعمر وحمد سيف النصر وعبدالحميد العبار وبالقاسم حفتر وصالح لطيوش وسليمان الباروني إلى آخر القائمة الطويلة العريضة من المجاهدين الليبيين الأبطال لهم أيضا حق في تملك ليبيا.
أما كون السنوسية حركة صوفية فإن أهم حركة صوفية في ليبيا هي الحركة التي أسسها الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري التي تنتشر في كل ليبيا ويشكل أتباعها غالبية بها.
وإذا تعلق السبب بالحيازة لكون الملك إدريس حكم ليبيا 18 سنة فهذا لا يعطي السنوسيين الحق في ملكيتها، فإن فكرة التملك بالحيازة لا تعطي أفضلية للسنوسيين.
على العموم فكرة العودة إلى الملكية في ذاتها فكرة متخلفة جدا، وإذا كنا نريد شخصا نحتكم إليه يمكننا تعيين ملك بمواصفات نحن نضعها ونحن نختاره وهذا هو لب الفكرة الجمهورية!
الدعوة إلى الملكية تعني فقط منع إجراء الانتخابات ومن يرددها إما أن يكون جزءا من المؤامرة التي تنفذ ضد ليبيا أو جاهلا لا يرى إلا تحت قدميه وينظر فقط بأذنيه.

زر الذهاب إلى الأعلى