الحصانة التاريخية والشعبية تتعزز من بوابة فلسطين وليس “الكيان”
محمد جبريل العرفي
جند الغرب الشريف حسين لقتال العثمانيين مقابل إغرائه بتنصيبه ملكا للمشرق العربي، وبمجرد انتهاء الحرب تنكروا لوعودهم وتقاسموا المنطقة وزرعوا فيها خنجرا مسموماً، وجندوا أنظمة العصور الوسطى ضد أنظمة التحرر.
يعتقد المفرطون أن ود أمريكا يأتي بالتقرب من الصهاينة، متناسين أن أمريكا تدار بعقلية التجار والقراصنة، فلا حليف دائم بل (عدو أو عميل)، فبمجرد انقضاء فائدة العميل تنبذه، والأمثلة كثيرة، فقد رفضوا منح مجرد تأشيرة دخول لعميلهم شاه إيران بعد سيطرة الثورة الإيرانية، وتخلت أمريكا عن (لي نول) رغم أنه أطاح بحكومة معادية لأمريكا أثناء حرب فيتنام، واختطفت نورييجا 1989 عميل مخابراتها، ومورد أسلحتها والأموال لمتمرديها في أمريكا اللاتينية، فقضى في السجن الأمريكي 17 سنة ثم سلمته إلى فرنسا ليسجن 7 سنوات ثم سُلم لبنما فسجن إلى أن مات في 2017، وحتى السادات رغم أنه طرد السوفييت وطبع مع الصهاينة وسلم لأمريكا 99% من أوراق اللعبة، تواطأت أمريكا مع الإخوان لاغتياله، أظهرت الوثائق المرفوع عنها السرية أن أمريكا أبلغته بأن عملية اغتيال ستقع يوم الاحتفال فقام بتجريد أسلحة حرس المنصة، مما سهل لعصابة الإسلامبولي تنفيذ جريمتهم.
المقاومة أفقدت الكيان أهميته كحامٍ للمصالح الغربية بالمنطقة، بل حولته إلى محتاج إلى من يحميه من المقاومة، وبالتالي أصبح غير مجدٍ التقرب من الصهاينة كسباً لود أمريكا لضمان حمايتها، فأمريكا ذاتها إمبراطورية تتهاوى وهيمنة تتلاشى ودولة تتفكك.
التحالف مع الصهاينة ضد إيران فقدان للبوصلة، العدو يستهدفنا جميعاً، مبتدئاً بمصر لأنها تملك أقوى جيش عربي متبقٍ بعد دمار الجيش العراقي والسوري والسوداني، والجيش الليبي يواجه حصارا وتهديدات ضد محاولة إعادة بنائه بعد تدميره بالنووي الذي تسبب بانتشار الأورام.
العدو شن حرب 56 خوفا من قفل قناة السويس وشن حرب 67 ردا على قفل مضائق تيران، اليوم اليمنيون الفقراء العراة المحاصرون يقفلون رئة العدو ويجوعونه ويشلون قدرته على الردع رغم وجود 19 قاعدة عسكرية في المضيق، الفرق أن حرية الإرادة نابعة من الحوثيين كتنظيم شعبي، وليسوا دولة والمقاومة الفلسطينية كذلك لها حسابات التحرير وليس حسابات الأنظمة.
مثلما أعاد العبور وتحطيم بارليف كرامة الجيش المصري المجروحة بالنكسة، أعاد طوفان الأقصى وعبور الجدار العنصري كرامة المقاومة الفلسطينية المجروحة بأوسلو.
المقاومة أحيت القضية الفلسطينية وتجاوزت الفتنة والألغام السياسية أو الطائفية أو الجغرافية، فهي الآن جامعة للرأي ورابطة للمواقف، فبدلاً من عزلها ووصفها بالإرهاب كما في شرم الشيخ 1996، نراها وقد انتشرت فكرتها وصار الحوار معها تكتيكا، والتنسيق معها إستراتيجية، ومواقفها معتبرة، وإرادتها نافذة.
كما اكتسبت شرعية مقاومة المحتل، بعد أن تنكر المنبطحون لشرعية الانتخابات، وجاءت أوسلو بسلطة لحماية أمن المستوطنين بالتنسيق الأمني (الذي وصفة عباس بالمقدس) من خلال 14 جهازا أمنيا تبتلع ثلث ميزانية السلطة، وبها 85 ألف عنصر، بمعدل فرد أمن لكل 54 فلسطينيا، وهي أعلى نسبة من أي نظام بوليسي في العالم، بينما سكان الضفة يعيشون القمع الصهيوني المدعوم من السلطة، ويعيش الغزيون في سجن مفتوح يتضورون جوعاً، نرى المنبطحين يكدسون الثروات ويتسوقون بالمجمعات التجارية الصهيونية ويتجولون بحرية ببطاقات (VIP)، الفلسطينيون لا يريدون من يقاتل معهم أو نيابةً عنهم، فهم كفيلون بالصهاينة، فالمطلوب إنقاذ الشعب الفلسطيني العربي المسلم من الجوع والمرض.
المقاومة الفلسطينية أنشأت فرصة نادرة لإنقاذ الوجود، والانحياز للتاريخ، وبوابة المجد، وطريق الجنة. فلسطين تمنح حاملي رايتها الحصانة التاريخية والشعبية وليس “الكيان”.
جل الأنظمة العربية (رغم ادعاءاتها الزائفة) تتمنى انتصار الصهاينة على المقاومة، ظناً خاطئاً لتحصن حكمها العضوض. عندما أغلق ثوار اليمن منافذ البحر الأحمر وأغلقت المقاومة موانيه، تطوعت أنظمة العصور الوسطى بتسيير قوافل برية لتضخ أمدادات الغذاء والدواء في شرايين الكيان المترنح، هذه المواقف الخيانية تزامنت مع استعراضات إعلامية للاستهلاك، لا تخفى إلا عن السذج أو الجهلة، كاستقبال المتصهين الليبي لوفد فلسطيني وادعائه بأنه يدعم فلسطين، مخفياً قوله للمسؤول الصهيوني “نحن نأسف للذي جرى، كما نتقدم بالعزاء لمقتل المدنيين الآمنين الإسرائيليين، ونحن ندين هذا العمل الإرهابي، نحن نتطلع لعلاقات جيدة بيننا، لقد بدأنا بأول خطوة نحو السلام، وبمعزل عن محيطنا، ولهذا نطلب منكم مساعدة حكومتنا في تثبيت الأمن والتدخل لدى أصدقائكم في العالم للمساعدة” فضح (كوهين) تطبيع الدبيبات وقرر الانتقام منهم بعد أن دخلوا على خط إعادة تصدير المنتجات الصهيونية إلى ليبيا، الجيل الصهيوني العقائدي انقرض وحل محله جيل مصلحي فاسد، مثلما هو الحال عندنا.
مهما تملقت الأنظمة وطبعت، فلن تمحو الثأرات للشهداء من وجدان الشعوب، فلن ينسى الفلسطينيون أو المصريون أو اللبنانيون أو السوريون شهداءهم، وستتخلص من قيود أوسلو ووادي عربة وإسطبل داوود، فمن الأجدى حل الجامعة، وتوحيد دول الطوق، والارتكاز على الأنظمة التي تنهل من حضارات عريقة كالسومرية والفينيقية والحميرية والفرعونية والجرمنتية، بعيدا عن الأنظمة المصطنعة من الغرب، ودعم حرب التحرير المستعرة الآن.