من الآخر.. في الحل!!
مصطفى الزائدي
ما الحل؟ سؤال يطرحه الجميع عندما يتم الحديث عن الأزمة الليبية خلفياتها وتطوراتها وتداعياتها، فالناس لم تعد تهتم كثيرا بالبحث المعمق فيها والغوص في موضوعها، لكنها تريد أنت تستكشف مباشرة طريق الخروج من الأزمة، وهذا أمر منطقي، وحق مشروع للسائلين، نتيجة كثرة الحديث عن المشكلة في جوانبها النظرية دون تقديم مقترحات عملية قد تؤدي إلى حلها، فالناس ملّت الانتظار وسئمت التحليلات النظرية خاصة التحليلات ذات الطبيعة السطحية، وفي بعض الأحيان السفسطائية، فأغلبها للأسف محاولات لإلباس الأزمة لطرف معين وتحميله وزرها وكل ما نتج عنها، بعيدا عن الموضوعية، خاصة أن المتابعين والسامعين يدركون بقدر أوسع من المحللين طبيعة الأزمة وأسبابها الحقيقية ومعضلاتها الجوهرية! لكن السؤال الذي يفرض نفسه أيضا: هل يمكن الولوج إلى حل لأزمة تتعقد بالزمن وبالتأثير الأجنبي هكذا من دون مقدمات وتحليلات معمقة؟ وهل يمكن تقديم وصفات صحيحة لعلاجها والخروج منها؟
الأزمات السياسية والاجتماعية من المستحيل تقديم مقترحات حلول دون فهم لطبيعتها، فلا أحد يستطيع أن يكتب وصفة متكاملة ومضمونة النتائج للتعامل معها، وهذا ربما يكون مدخلنا للإجابة عن السؤال: ما الحل؟
الحل ينبغي أن ينطلق من قاعدة أساسية، وهي ألا يكون انعكاسا ولا تعبيرا عن وجهة نظر فردية أو فئوية أو جهوية، ولا نتاج قراءة متجزئة للأزمة، ولا خلاصة استنتاجاتها، الحل يتطلب حوارات موسعة ومناقشات مفصلة لموضوع الأزمة وجوهرها وليس فقط ظواهرها، وتبادل الأفكار والاطلاع على المقترحات ومعالجتها بمنظور وطني يستند للتصور حول المستقبل ولا ينغمس في الصراع حول الماضي، واستخلاص خطط عمل وبرامج تنفيذية، حتى وإن كانت متباينة ومختلفة في شكلها، لكنها ستشكل موضوعا متوافقا عليه يمكن أن يصاغ في خريطة حل شبه متكامل ترتبط حلقاتها بعضها ببعض.
في الحالة الليبية ينبغي أن نتفق أولا على أن ما يسمى المجتمع الدولي هو سبب المشكلة وأساسها ولن يكون وسيلة مناسبة لتقديم حلول لها، وهذا موقف منطقي لأنه لا يعقل أن من يصنعون مشكلة ما لأهداف مجهولة تخصهم ولأغراض مشبوهة لا يمكن أن ينتظر منه تقديم وصفات علاج لها، تلك هي نقطة البداية أن نقتنع جميعا وأيا كان دورنا في المشكلة إيجابيا أو سلبيا ومهما كانت أفكارنا حولها الآن، فجميعنا قد تضرر منها، وهذا يفرض علينا كلنا دون استثناء المساهمة في تخفيف الأضرار والبحث عن المخارج، هذه هي القاعدة التي يمكن عن طريقها الإجابة عن السؤال التاريخي الاستراتيجي ما الحل، وملخصها أنه لا توجد وصفة جاهزة لحل متكامل، الحل يخرج من طرح الآراء المختلفة وتطويرها ليمكن دمجها بعضها في بعض من خلال حوار تنفذه وترعاه النخب المؤمنة بقضية الوطن، والمقتنعة بوجود مشكلة تحتاج إلى حل محلي يقوم على خارطة طريق قابلة للتنفيذ، فالحلول التي وضعت في الماضي من قبل ما يسمى المجتمع الدولي وهو مجموعة الدول الغربية المسيطرة والمتسببة في الأزمة الليبية، أو من قبل أفراد شكلت إطارا ترفيا وليس جديا، فرغم كم الحوارات والمقترحات التي صيغت في حجم هائل من الأوراق لكنها لم تقدم حلولا ممكنة التطبيق.
من المهم توافق إرادتنا على أن أزمة بلادنا وصلت إلى النقطة التي يشكل استمرارها خطرا وجوديا علينا كشعب وكوطن، عندئذ نحن مطالبون بأن نجلس للتفكير في حلول قابلة التنفيذ، انطلاقا من أن الأزمة الليبية لم تنتج في الواقع عن مشكل داخلي رغم محاولات الدول المتدخلة خلق فتن داخلية وتأجيجها، فهي من الألف إلى الياء مشروع خارجي محض، هذا ينفي وجود صعوبة في التوافق بين الليبيين وإن بدأ تنافر ظاهري بين الأطراف، وهذا يجعل البحث في الأزمة أمرا سهلا وممكنا.
الحل بين أيدينا نحن، فلتكن أيدينا هي العليا وليست سفلى تنتظر يدا أعلى منها تحركها، هذه رسالتي إلى النخبة الوطنية كلها من دون استثناء، فلقد آن الأوان بأن يقف كل منا ويراجع طريقة مشاركته في حل الأزمة وبناء ليبيا الجديدة.