مقالات الرأي

العدوان الصهيوني على فلسطين وحق الدفاع عن النفس

عبدالسلام محمد إسماعيل

عطفا على القواعد المسطرة في ميثاق الأمم المتحدة خصوصًا ما ورد في المادة (51) التي سبق تناولها في الجزء السابق من هذا المقال والتي تفيد على وجه التحديد الآتي:

إن حق الدفاع عن النفس يتطلب وجود أعمال عدوانية ضد سلامة الأراضي وأن تكون من الخطورة بحيث تهدد السلم والأمن الدوليين.

إن حق الدفاع عن النفس هو عمل مؤقت يبرر عمل الدولة المعتدى عليها إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما.

وهو فوق هذا وذاك، يعد عملًا استثنائيًا لما ورد في المادة (2) فقرة (4) من الميثاق التي تمنع استخدام القوة في العلاقات الدولية.
وفي محاولتنا لتطبيق مقتضيات الدفاع عن النفس، يتضح أن الحالة في فلسطين لا تستجيب لأي من تلك الاشتراطات، حيث إن الكيان الصهيوني يمثل في حد ذاته حالة عدوان مستمر منذ سنة 1948 وما أعقبها من حروب توسعية تهدف من ناحية إلى تهجير الشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى تقيم مستوطنات لمهجرين دخلاء تم استجلابهم من أغلب بقاع العالم وتوطينهم، فيما أطلق عليه “أرض الميعاد”، ففي حقيقة الأمر أن من يدعي الدفاع عن النفس هو المعتدي، بل وهو في حالة عدوان مستمر على الشعب الفلسطيني، وإن الأرض التي نفذت فيها العملية العسكرية في 7/10/ 2023، “عملية بركان الأقصى” هي ليست بالأساس أرض الكيان الصهيوني، بل هي أرض فلسطينية محتلة، لذلك فإنه من غير الممكن اعتبار ما يقوم به الكيان الصهيوني من عدوان على مدينة غزة هو من أعمال الدفاع عن النفس، بل هي في ذاتها أعمال عدوانية مستمرة منذ زمان.
إن استمرار الأعمال العدوانية للكيان الصهيوني في غزة لهذه الفترة الطويلة من الزمن “ثلاثة أشهر تقريبًا”، يدحض الادعاء بالدفاع عن النفس، كون هذا الأخير كما رأينا سابقًا هو عمل مؤقت إلى أن يقوم مجلس الأمن بواجباته في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وفي حالتنا هذه فإن فشل مجلس الأمن مرات عديدة في إصدار قرار لوقف إطلاق النار بسبب الفيتو الأمريكي، يؤكد انعدام حالة الدفاع عن النفس، حيث إنه في الحالات المشابهة دائمًا ما يرغب ويرحب الطرف المعتدى عليه بوقف القتال، أما المعتدي فدائمًا ما يعتبر أن مثل هذا التدبير يمثل عملًا مضادًا له، وواضح أن الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا يرفضان وقف إطلاق النار.
تهافت مقاربة الدفاع عن النفس
إذا كانت عملية بركان الغضب لا تمثل عدوانًا، وإن ما يقوم به الكيان الصهيوني لا يمثل دفاعًا، فإن الحالة الفلسطينية تتطلب منظورًا آخر، غير ذلك المنظور المبني على قواعد الدفاع عن النفس، وكما قال وزير الخارجية الروسي “لافروف” (إن هجوم 7 أكتوبر لم يكن من فراغ)، بمعنى أن الشعب الفلسطيني لم يكن من بدأ الحرب، بل هو في حالة دفاع عن النفس، كونه شعبا يخضع للاحتلال منذ عشرات السنين، حيث هجر الشعب الفلسطيني ونكل به، وتم الاستيلاء على أغلب أرضه، وما تبقى من الأرض يحاول المعتدي الاستيلاء عليها عبر الأعمال العدوانية المباشرة أو عبر الحصار والتجويع.
لذلك فإن الشعب الفلسطيني بحق، شعب يناضل من أجل تحرير أرضه وتقرير مصيره، وللتدليل على شرعية أعماله النضالية فإن قرار الجمعية العامة رقم (3314) المعني بتعريف العدوان لم يدعِ أن ما تقوم به الشعوب المناضلة من أجل تقرير مصيرها يمثل عملًا من أعمال العدوان، بل نصت أيضًا المادة (5) الفقرة (5) من هذا القرار على أنه “ليس قانونيًا ولا يجوز أن يعتبر كذلك أي كسب إقليمي أو غنم خاص ناجم عن ارتكاب عدوان”، ولا يخفى على أحد أن الأمم المتحدة قد أصدرت القرار رقم (3236) المؤرخ في 22 نوفمبر 1974، الذي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وبالعودة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، من المهم التذكير بالقرار رقم (2625) المؤرخ في 24 أكتوبر 1970؛ المعني بإنماء العلاقات الودية والتعاون بين الشعوب والقرار رقم (1514) المؤرخ في 14 ديسمبر 1960، حيث اعتبر هذان القراران أن كفاح الشعوب من أجل تحرير أراضيها واستقلالها وتقرير مصيرها، يعد من الأعمال المشروعية، وبل ويتعدى ذلك الأمر، حيث اعتبرت هذه القرارات أنه من الواجب على الشعوب الأخرى تقديم المساعدة للشعوب المناضلة من أجل تقرير المصير.
ما العمل؟
وعلى الرغم من وجاهة الحجج التي تدعم حق الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير أرضه المغتصبة وتقرير مصيره بما في ذلك اتباع سبيل الكفاح المسلح، فإن واقع العلاقات الدولية ينحو بعيدًا عن المنطق القانوني الدولي ويستند إلى منطق القوة، حيث ينتهك الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة أبسط قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، حيث كنا متفرجين على تدمير المدارس والمستشفيات وحتى بعثات الأمم المتحدة وبرامجها الإنسانية لم تسلم من هذا الدمار، لذلك فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال القول إن قتل الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس يعد من أعمال الدفاع عن النفس.
إن هذه الأعمال المشينة ما كان يستطيع أن يقوم بها الكيان الصهيوني إلا في ظل الحامي الأمريكي الذي يستخدم حق الفيتو بصورة غير أخلاقية وغير إنسانية، الأمر الذي انتهى بمجلس الأمن إلى حالة الجمود التي نشهدها اليوم، وجمود مجلس الأمن هذا يضيف سببًا آخر لتهافت دعوى الدفاع عن النفس، لكنه من المهم التساؤل في الختام، كيف لشعوب العالم أن تواجه حالة العدوان هذه؟ كيف ينام الضمير الإنساني أمام بشاعة الصورة في غزة؟
من المهم على مستوى القانون الدولي أن تبحث دول العالم عن سبيل لتجاوز حالة جمود مجلس الأمن، ولنا في تاريخ الأمم المتحدة بعض الدروس، فعندما أعاق الفيتو السوفياتي أعمال مجلس الأمن إبّان الحرب الكورية سنة 1950، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (377) أو ما صار يعرف بقرار الاتحاد من أجل السلم الذي يعني أنه في حالة عجز مجلس الأمن بسبب استخدام أحد أعضاء مجلس الأمن لحق الفيتو بصورة تعيق الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فإن للجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة ما ترى ضرورة نقاشه واتخاذ ما يجب من تدابير لعودة السلم والأمن الدوليين إلى نصابها، كما أن اجتهاد الأمم المتحدة في مناسبات لاحقة هو من أوجد قوات حفظ السلام (القبعات الزرق) التي لم ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
على الرغم من بشاعة الحرب في غزة، فإنها كشفت تهافت المنظور القانوني للكيان الصهيوني وسقوط دعوى حقه في الدفاع عن النفس، كونه قوة احتلال وأنه من حق الشعب الفلسطيني أن يكافح من أجل تقرير مصيره وأنه من الواجب على شعوب العالم وحكوماته مساعدة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل تقرير مصيره.

Back to top button