مقالات الرأي

مقاربة تطبيقات الرئيس قيس للديموقراطية المباشرة

محمد جبريل العرفي

جل الليبيين يتوقون للانتخابات ظناً بأنها تحل أزمتهم. رغم أنها قد تكون أسوأ من سابقاتها، أو تدويراً لنفس الوجوه والتوجهات والممارسات.
الشعوب بدأت تنتفض وتتخلى عن الأحزاب والنظم النيابية لثبوت فشلها وعجزها عن تحقيق الديموقراطية، انتشر مصطلح (الديموقراطية التشاركية) بإشراك المواطنين في الحكم من خلال الجمعيات الأهلية والإعلام. استوقفني كتاب للمفكر البلجيكي (ديفيد ريبروك) بعنوان “ضد الانتخابات دفاعاً عن الديموقراطية” يبرهن فيه أن الانتخابات لا تنتج الأصلح، بل الأقوى بالمال أو السلاح (فالأقوياء هم الذين يحكمون)، ويدعو للعودة إلى ممارسة أثينا بالقرعة.
الفرق بين الديموقراطية النيابية والمباشرة، هو علاقة النائب بدائرته الانتخابية، فالنائب ينفصل عن دائرته ولا يعود إليها إلا في دورات الانتخاب التالية، فالناخب تنازل عن سيادته للنائب، ليبيون كثر نادمون على انتخابهم من خذلهم. أما في الديموقراطية المباشرة فالنائب ملزم بعرض قرارات دائرته في المجلس، وللدائرة حق سحب الوكالة منه واستبداله. لا علاقة للديموقراطية المباشرة بوسيلة الانتخاب (التصعيد)، المفكر الجماهيري المرحوم رجب بودبوس دعا في مقالات منشورة لاستخدام صناديق الاقتراع.
بعد تخريب جارتينا مصر وتونس لمشروع الإخوان رصدنا الاتجاه نحو الديموقراطية المباشرة.
أولهما في دستور مصر 2014 المواد 180 و181 الفرع الثالث (الإدارة المحلية) “تُنخب مجالس محلية، غير قابلة للحل ولمدة أربع سنوات، تختص بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، والاقتراح والرقابة ومساءلة الأجهزة، وغيرها، وفي سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، قراراتها في حدود اختصاصها نهائية، ولا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها”.
وثانيهما دستور الجمهورية الثالثة لعام 2022 حيث تنبه الرئيس قيس سعيد للمشكلة وحاول علاجها، فجسد رؤيته في قانون انتخابات مجلس النواب عام 2022 وقانون انتخابات (المجلس الوطني للجهات والأقاليم) التي جرت الأسبوع الماضي.
ففي مجلس النواب أدخل أربعة تعديلات هي:
كل دائرة تمثل بمقعد واحد، فزاد الدوائر من 33 إلى 161 مقابل تقليص المقاعد من 217 إلى 161.
واعتمد الاقتراع على الأفراد بدل القوائم الحزبية.
واشترط أن يحصل النائب على نسبة 50+1 من الناخبين، أو يعاد الاقتراع بين أعلى اثنين.
وخوّل الدائرة سحب الوكالة (التفويض أو الثقة) من النائب، إذا قصر في أداء مهامه، أو أخل بواجب النّزاهة، أو لم يوفِ ببرنامجه الانتخابي. وذلك بعرض طلب عُشر الناخبين في استفتاء بالدائرة، فإن وافقت يسقط النائب.
هذه ممارسة للديموقراطية المباشرة ينقصها مناقشة وإقرار البرنامج الانتخابي بالدائرة.
وفي الباب الثّالث إنشاء الدستور “المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم”، بأسلوب شبيه بآلية سلطة الشعب حيث قسم تونس إلى 5 أقاليم، و24 مجلسا جهويا (ولاية – شعبية)، و279 مجلسا محليا (معتمدية – مؤتمر شعبي أساسي)، و2155 دائرة انتخابية محلية (كومونة).
المستوى الأول: 279 مجلسا محليا (معتمدية – مؤتمر شعبي أساسي)، تنتخب شخصا واحدا، يضاف إليهم عضو واحد بالقرعة من ذوي الإعاقة.
المستوى الثاني: 24 مجلسا جهويا (الولايات – الشعبيات)، فكل مجلس محلي يختار عضواً بالقرعة للمجلس الجهوي وبشكل دوري كل ثلاثة أشهر.
المستوى الثالث: 5 مجالس أقاليم تتشكل من ممثل واحد لكل مجلس جهوي، أي 24 عضوا.
المستوى الرابع: المجلس الوطني للجهات والأقاليم (مؤتمر الشعب العام) ويتكون من ممثلين عن المجالس الجهوية الـ24 (بواقع 3 عن كل مجلس جهوي)، وممثل واحد عن كل مجلس من الأقاليم الخمسة، ليصل مجموع أعضائه 77 ولمدة 5 سنوات، وحدد الدستور اختصاصه بأن “تُعرض وجوبا عليه المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة، ومخططات التنمية، واتفاقيات الاستثمار، لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم. كما يمارس صلاحيات الرقابة والمساءلة”، هذا شبيه بالمواد 2 و39 من القانون رقم 1 لسنة 1369 بشأن نظام عمل المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية.
أتمنى منح المجلس الوطني للجهات والأقاليم اختصاص المشاركة في سن القوانين الأساسية، وأن تشارك المجالس المحلية في عضويته مباشرة، إذا تركت للشعب التونسي الحرية فسيتخلى تدريجياً عن البرلمان، ويركز على المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ويطور من آلياته ويزيد من صلاحياته إلى أن يصل إلى نظام سلطة الشعب.
أساليب ممارسة السلطة إرث إنساني يتطور مع الحضارة الإنسانية، والجماهير لن تتوقف عن سعيها للوصول إلى السلطة، فمنذ قيام سلطة الفرد الذي يملك الأرض ومن عليها، إلى الديموقراطية النيابية، إلى الديموقراطية التشاركية، فستكون الديموقراطية المباشرة نهاية المطاف. حالياً لا يتفوق على تجربة الرئيس قيس إلا النظام السويسري، وقبله كانت محاولة الليبيين لإقامة الجماهيرية، المفكرون ينيرون طريق الخلاص (الديموقراطية المباشرة)، رغم أن الحقد والجهل يدفعان لمعارضة الأفكار البناءة لكونها ترتبط بشخص معين أو تيار.
أدعو العقلاء في بلادي للاستئناس بالتجربة التونسية، وإعادة دراسة تجربتهم في ممارسة السلطة لأربعة وثلاثين عاماً، مع أنها لم تترسخ لأنهم أداروها بعقلية حكومية.
كما أن تجربة عقد أسود يدفع للتشاؤم والإحباط، وتقنع بأن أزمة ليبيا لن تحل بالانتخابات، بل برؤية قيادة، وقوة ردع، الأمل معقود على القيادات السياسية الوطنية والقوات المسلحة العربية الليبية.

Back to top button