مقالات الرأي

ذكرى الاستقلال!!

ناصر سعيد

كان علينا أن نمر بمحطات مهمة ونحن نتابع أحداثا مثيرة ونستمع إلى تحليلات في التاريخ يغلب عليها طابع التزوير وأخرى عن الواقع تتسم بالتلفيق.
توسعت وسائل الإعلام وتطورت واتسع المجال للكل بأن يدلوا بدلوهم بمعلومات أو بدونها بمنطق أو بدونه.
ففي ذكرى الاستقلال خرج بعض المحتفين يهللون، بينما يرزح الوطن تحت وطأة تدخل أجنبي أكبر حجما وأشد فظاعة، ووفقا للسيدة ستيفاني وليامز “توجد بليبيا عشرات القواعد لدول أجنبية وآلاف المرتزقة الأجانب”، والقرار الليبي في كل جوانبه بما فيه الترتيبات الأمنية بيد سفارات وقناصل الدول الأجنبية، والمجال الجوي يدار من مالطا تماما كما كان قبل عام 1970م.
هذا واقع الحال اليوم، ولكن علينا بالتاريخ لنستذكر أن الشعب الليبي من الشعوب العربية القليلة التي قاومت وقاتلت المستعمر لأكثر من عشرين عاما ولم يستطع الاستعمار الإيطالي السيطرة على ليبيا إلا عام 1931.
كان حينها الاستعمار الإيطالي استعمارا استيطانيا يقوم على أكذوبة أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لإيطاليا، وأن الليبيين هم مجرد سكان طارئين، يجب تجريدهم من وطنهم، فأنشأوا مستوطنات على الأراضي الصالحة للاستزراع وجلبوا الآلاف من المستوطنين من إيطاليا ونفي أعداد كبيرة من الليبيين إلى الجزر المهجورة جنوب إيطاليا وأمموا تلك الأراضي والمنشآت وسلموها للرعايا الطليان.
إن هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية كانت نقطة تحول حيث سمح الصراع بين الحلفاء إلى إتاحة نافدة لليبيين نحو الاستقلال، فكان للأمين العام للجامعة العربية آنذاك عبدالرحمن عزام ومندوبي مصر والهند والباكستان وهايتي في الأمم المتحدة دور كبير في إصدار قرار الجمعية العامة رقم 289 في 21 نوفمبر 1949 الذي نص على استقلال ليبيا، رغم التآمر البريطاني والفرنسي وضغطهم على مندوب الأمين العام “أدريان بلت” وتحويل الاستقلال من استقلال كامل إلى استقلال منقوص باستمرار تواجد القواعد العسكرية الإنجليزية والأمريكية والفرنسية في البلاد، واستمر المستوطنون الطليان في ليبيا بعد أن كان الإنجليز يتوقعون أن يكون هذا التقسيم نواة لتحويل ليبيا إلى ثلاث دول، لكن الليبيين أفشلوا هذا المخطط وكونوا دولة موحدة عام 1963 وشرعوا نحو بناء التعليم والتنمية المحدودة بدعم من جمهورية مصر العربية وقتها، واستكمل الاستقلال عام 1969 بإجلاء القواعد والقوات الأجنبية الإنجليزية والأمريكية والمستوطنين الطليان.
عندما ننظر إلى ذكرى الاستقلال لا ينبغي أن نتبع أهواء الحاقدين وقاصري النظر وألا نحتفي به كظاهرة جزئية، بل علينا أن نعتمد خطوات نضال الشعب الليبي نحو بناء الدولة الليبية المستقلة.
وسيظل السؤال المهم: كيف لأحفاد المجاهدين ضد الطليان وأحفاد من صنع الاستقلال وأحفاد من حقق النصر بإجلاء القواعد العسكرية وحرر القرار السياسي وأمم النفط وأكمل بحق الاستقلال الوطني إحياء هذا اليوم، الذي لا يتأتى إلا بالاستمرار في مسيرة النضال الوطني الهادف لإجلاء القوى الأجنبية واستقلال القرار السياسي وضمان حماية السيادة والمقدرات الوطنية.

Back to top button