تأميم النفط أعاد للشعب الليبي ثروته الرئيسية
تقرير – عثمان الحضيرى
شكل النفط منذ اكتشافه، أحد أهم أسباب الصراع في العالم، وقد شغلت هذه الطاقة مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي طوال القرن الماضي، ومن المرشح أن يستمر هذا الأمر لفترة طويلة مقبلة في قرننا الحالي، وخاصة الصراع على الغاز، فالعدوان على ليبيا سببه الأساسي الغاز، وحرب غزة سببها الغاز وحرب أوكرانيا محركها الغاز.
ولا يزال النفط حتى اليوم يشكل العصب الرئيس للطاقة، رغم إضراره بمناخ الكرة الأرضية وظهور دعوات ومؤتمرات للتخلص من حرق الوقود الأحفوري، وليلقى مصير الفحم الحجري .
في بداية السبعينيات خاضت ليبيا معركة زيادة أسعار النفط، حيث تمكنت من زيادة الأسعار من 80 سنتا للبرميل إلى 3 دولارات و40 سنتا للبرميل.
عقب حرب أكتوبر 1973، شعرت الدول الصناعية الكبرى وبخاصة أوروبا وأمريكا بإمكانية تحكُّم الدول المنتجة بالأسعار أو في ربط ذلك بالمواقف السياسية.
وتصادف هذه الأيام ذكرى قرار الإرادة الليبية الحرة بتأميم النفط مطلع سبعينيات القرن الماضي وإنهاء سيطرة الشركات الأجنبية كليا أو جزئيا على هذه الثروة المهمة للأصول والإنتاج النفطي في البلاد وتولي الإدارة والقرار، وجاء هذا القرار نتيجة امتعاض قيادة الثورة آنذاك من الطريقة التي تدير بها شركات النفط الأجنبية لمستويات الإنتاج في البلد، مستندة إلى مصالحها التجارية في أماكن أخرى، وكان هناك العديد من الخلافات فيما يتعلق بالتسعيرة وإدارة تلك الشركات من الطرف الأجنبي ولا وجود للعناصر الوطنية، كما طالب بحصة تزيد على 51 % من الشركات الكبرى العاملة، ولكن الشركات الأجنبية المؤلفة لائتلاف هذه الشركات لم توافق على ذلك، مما اضطرّ قيادة الثورة لاتخاذ ذلك القرار الحاسم في ذلك الوقت لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية.
رواد تأميم النفط الليبي:
عمر المنتصر – عز الدين المبروك – عبدالله البدري
أولى بذرات التأميم
إن “قانون التأميم كان ردة فعل لتعنت الشركات العالمية التي رفضت تغيير عقود بنود الامتياز وزيادة نسبة ليبيا في الإنتاج والتدخل أكثر للسيطرة على صناعة البلد النفطية، الأمر دفع قيادة الثورة آنذاك لإصدار قوانين التأميم التي كانت بمثابة مجازفة اقتصادية وسياسية، ومنها تحولت عقود الامتياز مع الشركات النفطية الأجنبية التي رفضت شروط التأميم إلى إبرام عقود مشاركة بنسبة 51 % للجانب الليبي و49% للطرف الأجنبي باستثناء شركة آجيب الإيطالية للنفط التي تغير اسمها فيما بعد إلى (إيني) في حقل أبو الطفل التي قبلت بإجراءات التأميم دون شروط، ولهذا أبرمت الدولة الليبية عقد شراكة معها بنسبة 50 ٪ لكل طرف.
ما الفرق بين عقد الامتياز وعقد المشاركة؟
عقد الامتياز
هنا تمول الشركات الأجنبية جميع عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج ولمدة 50 عاما، ووفقا لهذه العقود تتكون أرباح الدولة من نسبة محددة من الإتاوة والضرائب، والإيجارات لتلك الامتيازات إضافةً إلى ضرائب اجتماعية ومكافآت أو خدمات تقدم لمناطق عقد الامتياز التي عادة ما تنكرها الشركات في ذلك الوقت لأنها الطرف الأقوى في تلك العقود.
عقد المشاركة
هو ذلك الاتفاق الذي يبرم بين الدولة مانحة (القطعة النفطية) كطرف أول، مع إحدى مؤسساتها الوطنية التي تختص بشؤون النفط والغاز مع مستثمر نفطي أجنبي كطرف آخر، ويحصل بمقتضاه الطرف الأخير على حق استكشاف واستغلال الثروات النفطية في مساحة محددة ولمدة زمنية محددة لا تزيد على 25 عاما وفق تجربتنا، ويتسم هذا العقد بالمخاطرة الفردية ويتحمل المستثمر كافة المصاريف الاستكشافية.
الفرق بين العقدين!!
يتسم عقد الامتياز بالاستغلال الذاتي لهذا الامتياز من الطرف الأجنبي والدولة لا علاقة لها بهذا الامتياز إلا في تحصيل أموال الضرائب والإتاوات والإيجارات والبعض يعتبره سلب إرادة الدولة وربما فقدان السيادة على أرض ذلك الامتياز… وهذا أحد الأسباب التي حدثت بالدول الثورية التخلي عن هذا النوع من العقود.
أما عقد المشاركة فهو يمثل تطورا مهما في العلاقة بين الطرفين الوطني والأجنبي، يقوم عقد المشاركة بالإنتاج على فكرة رئيسية وهي (المخاطرة) الفردية.
لذلك وبدلا من تكبد الدولة أعباء ومصاريف عمليات المسح “السيزمي” والحفر من أجل الوصول إلى المكامن النفطية تتعهد الشركة التي ترغب بالمشاركة لتلك الدولة بالقيام بهذه العمليات وبدون مقابل، حيث يتم الانتظار لحين اكتشاف النفط ليتم الاتفاق بعدها على المصاريف التي تكبدتها هذه الشركات للوصول إلى المنابع النفطية، بمعنى آخر أن الدول تسمح للشركات النفطية بالبحث والتنقيب في المناطق التي تتوقع وجود النفط فيها وبدلا من أن تتركها بدون استثمار تقوم الشركات النفطية بإجراء العمليات النفطية كافة في هذه المناطق، فإذا وجدت كميات صالحة للاستثمار تبدأ عندها علاقة جديدة بين الشركات والدولة النفطية تتمثل بعقد المشاركة، أما إذا لم تجد الشركات كميات نفطية قابلة للاستثمار فلا مسؤولية لا على الشركة ولا على الدولة ولا تدفع الدولة أي مبلغ لهذه الشركات، فالشركة تجازف وتضارب بالأعمال النفطية التي تقوم بها خاصة إذا علمنا أن المناطق التي تقوم الشركات بأعمالها داخلها لا تحتوي على توقعات نفطية، وكأن كل طرف يستغل الطرف الآخر وبناء على رغبته.
وعند الحصول على اكتشاف نفطي تجاري تكون الحصة الغالبة للطرف الوطني ممثلا في مؤسسة النفط طرفا أول، كما أن ممثلي الطرف الأول أعضاء في مجلس الإدارة ومنهم (الرئيس) ولهم حق اتخاذ القرارات التي يرونها في مصلحة الوطن مثل التطوير الذاتي وتحمل المسؤولية وكافة المصاريف الناتجة عن هذا القرار دون مشاركة الطرف الثاني، حق موظفي الطرف الأول في الإدارات الرئيسة في عقد المشاركة أسوة بالطرف الأجنبي ويتم مقاسمة تلك الإدارات على السواء.. وهذا الشكل من التعاقدات مكن الطرف الوطني الليبي من إدارة الشركات النفطية بكفاءة وخبرة تراكمت نتيجة الإجراءات الثورية في هذا الشأن.
وعودة على ما ذكرنا نعتبر تأميم النفط في ليبيا عملية استعادة السيطرة على صناعة النفط في البلاد حدثت تأميمات متعددة للنفط في ليبيا على مر العقود، تتضمن مصادرة الممتلكات والمشاريع النفطية من قبل الدولة الليبية. أحدثت أولى تأميمات النفط في ليبيا في عام 1973، عندما أعلنت القيادة الثورية استيلاءها على مصافي النفط والشركات الأجنبية المتعلقة بالنفط. وتم تأسيس مؤسسة النفط عام 1970 لتدير صناعة النفط في البلاد تحت إشراف ورقابة وزارة النفط الفنية والمالية، ومكنت أبناء هذا الشعب من الفقراء وأبناء الصحاري والأرياف والمدن الطاهرة من إدارة هذا القطاع الاقتصادي الهام.
ولهذا أصدر مجلس قيادة الثورة مجموعة من القوانين التي شكلت ضربة قوية لاحتكار الشركات النفطية العالمية لثروات الشعب الليبي ومنها:
قانون رقم (66) لسنة 1973 بشأن تأميم 51 % في شركات النفط العاملة
مادة (1)
تؤمم وتنقل إلى الدولة ملكية 51% من جميع الأموال والحقوق والموجودات والحصص والأسهم والنشاط والمصالح بأية صورة كانت، المملوكة لشركات النفط التالية والمتعلقة بعقود الامتياز النفطية الموضحة قرين اسم كل شركة:
شركة اسو ستاندرد ليبيا المساهمة عقود الامتياز رقم 3، 4، 5، 6، 7.
الشركة الليبية الأمريكية للبترول عقود الامتياز رقم 16، 17، 20.
وشركة جريس للبترول وشركة اسو سرت المساهمة.
شركة شل للتنقيب والإنتاج عقود الامتياز رقم 25، 27، 28.
متشابيج (ليبيا) ن. ف 29، 31، 32، 33، 59، 71.
شركة موبيل اويل ليبيا المحدودة عقود الامتياز رقم 9، 10، 11.
وشركة جلسنبرج ليبيا 12، 13، 14، 15، 50، 57، 62، 72، 124، 125، 126.
شركة الزيت تكساكو عبر البحار عقود الامتياز رقم 42، 43، 44.
وشركة الزيت الأسيوية لكاليفورنيا 45، 46، 47، 51، 73، 119، 120، 131، 132، 133، 83.
وقانون رقم 105 للعام 1971 بإنشاء المعهد العالي للنفط بطبرق.
وقرار مجلس الوزراء بإنشاء كلية هندسة النفط بجامعة طرابلس، ثم أنشئت جامعة النجم الساطع في مدينة البريقة، ومعهد شؤون النفط.
واستمرت ليبيا تسيطر على قطاع النفط استكشافاً وإنتاجاً وتصنيعاً، حيث أصبحت الشركات مملوكة لليبيين بنسبة 100% مثل شركة الخليج العربي للنفط وشركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز أو شركات مشاركة مثل شركة ايني وريبسول، كما تنبت ليبيا اتفاقية (ابسا) وهي معادلة رياضية تحكم العلاقة بين الشركة النفطية والدولة المالكة معتمدة على عاملي حجم الاستكشاف وسعر برميل النفط، وبتطبيق هذا المعالج تضمن ليبيا حقها بحصة أكبر إذا زاد السعر أو ظهر أن المخزون المستكشف ضخم، وفي نفس الوقت لا تهضم حقوق الشركات الأجنبية.
دخلت ليبيا إلى الصناعات النفطية بسلسلة من المصافي ومصانع البتروكيماويات في راس لانوف والبريقة.والسؤال المهم.. هل ما زال قطاع النفط تحت أيادٍ ليبية ويدار من خلال عقلية ليبية، وفق مصلحة الشعب الليبي، أم أن حالة الفوضى التي تجتاح البلاد وانعدام الإدارة الحكومية المركزية الراشدة طيلة عقد من الزمن سمح للشركات النفطية الأجنبية بالتلاعب بالمورد الرئيسي للشعب الليبي؟
النفط الآن في وضع خطر لأن الإدارة الحالية لا تطبق القوانين السارية وتقترف مخالفات صارخة للتشريعات سواء بالتنازل عن حصص للطرف الأجنبي أو التسويق بالمخالفة للسياقات المعتمدة، وهناك محاولة للتمرد على وزارة النفط الجهة الرقابية المسؤولة عن القياس والتسعير، وتجري محاولة يائسة بائسة لتعديل قانون النفط لخلق ثغرات ينفذ منها المنفلتون.
والخطورة أن النفط سلعة ناضبة، وسيقل الاعتماد عليه كمصدر للطاقة خلال الثلاثين السنة القادمة، حيث صدرت قرارات بوقف إنتاج السيارات التي تسير بالوقود الأحفوري واستبدالها بالسيارات الكهربائية، علاوة على أن الغاز الليبي في طريقه لعدم كفاية الاستهلاك المحلي، بمعنى أنه لو لم تتخذ سياسات رشيدة فإن مستقبل الأجيال القادمة سيكون مهددا بالفقر.
من ناحية أخرى أن قطاع النفط ممكن أن يساهم في حل مشكلة البطالة، إذا اعتمدنا التعريف الشامل للتلييب وهو “تمكين الليبيين من استكشاف وإنتاج وتصنيع وتصدير نفطهم بقدراتهم الذاتية”، وهنا تدخل شركات الخدمات النفطية، هذا الأخطبوط الذي يمارس الاحتكار والإفساد والتجهيل والابتزاز. وصدق (رحمه الله بلقائه) عندما قال 1971 بالبيضاء “إن شركات الخدمات النفطية لا تقل خطورة عن شركات النفط التي تمت السيطرة عليها”.
فاتورة الخدمات الفنية المساندة تشكل أكثر من نصف تكلفة إنتاج برميل النفط، ويحتكرها الأجانب منذ البداية، باستثناء ثلاث (الجوف، الحفر، مركز بحوث النفط)، وهي أنشطة حساسة مثل المضخات الغاطسة والحفر الأفقي والمائل، والتسميت والمعالجة بالأحماض الذي تحتكره (هاليبورتن وداوول) الذي لا يمكن حفر شبر في هذه الأرض بدونه، وتمارس هذه الشركات التجهيل، والإفساد والمغالاة بالأسعار، فتكلفة الخدمة في بلادنا مرتفعة جدا مقارنة بتكلفتها في الدول النفطية الأخرى مثل إيران وأمريكا الشمالية والجنوبية وبحر الشمال، ولا تقاربها في الأسعار إلا المناطق الخطرة أمنيا أو الفاسدة إداريا مثل الخليج ونيجيريا والجابون.
نشاط الخدمات النفطية يشكل خطراً أمنياً، وربحا اقتصادياً، فالسيطرة عليه تؤمن القطاع من مغبة ابتزاز الشركات الأجنبية لكون وجود منافس لها يجبرها على عدم المطالبة بزيادة الأسعار، وعلى إدخال تقنيات حديثة للمنافسة، والقبول بدفع جزء بالدينار، وإنهاء قدراتها على التهديد بالانسحاب. توطين تقنيات الخدمات المساندة، وصناعة المواد المضافة لها، يخلق فرص عمل للعرب الليبيين ليسهم القطاع في استيعاب الباحثين عن العمل.
الخدمات النفطية نشاط مربح، فالسيطرة تخفض الأسعار، وتحقق فائض أرباح، وتوفر عملات أجنبية.