مسلسل الإحاطات وتدوير الأزمة
ناجي إبراهيم
يحاولون إقناعنا بأن الانتخابات هي قارب نجاتنا الوحيد، ومغارة علي بابا التي سنجني منها الذهب والألماس، وهي الجسر الذي سنعبر عليه إلى شاطئ الأمان والاستقرار، وهنا يأتي طرح السؤال الكبير: هل الاستقرار والأمان أولاً أم الذهاب إلى انتخابات تنتج سلطة أولاً؟
هل الانتخابات ستنتج أماناً واستقراراً أم أن الاستقرار والأمان هو الذي يهيئ المناخات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟
هل يمكن أن تجرى انتخابات في ظل الفوضى والانقسامات والفساد والتدخلات الخارجية؟
هل الانتخابات وسيلة أم غاية؟
من يراهن على أن الانتخابات هي الحل المثالي والناجع هو بالتأكيد يراهن على الجواد الخاسر، ولا أعتقد أن أغلب الليبيين يوافقون على هذا الطرح وهذا التمشي، وحتى الذين يعتقدون في ذلك فإنهم يرونه سبيلا للتخلص من المراحل الانتقالية والمؤقتة التي أنتجتها حوارات الصخيرات ورسخها اتفاق جنيف الذي أسس لبدعة عمقت الانقسامات وشرعنت للفساد وسمحت للتدخلات الخارجية بأن تكون ركناً من أركان أي تحول نحو بناء الدولة، مثلما كانوا سبباً في تفكيك الدولة عام 2011 بالقوة العسكرية الغاشمة سيتمكنون من إعادة تركيبها بما يجعلها جزءا من نظامهم العالمي بطريقة ناعمة تكون الانتخابات إحدى أدواتها السياسية التي ستنتج لهم كارزاي ومالكي يحمي ويخدم مصالحهم ويرعى تواجدهم ويقدم لهم الدعم اللوجستي وحتى التمويلي لتنفيذ سياساتهم ومشاريعهم في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب المتوسط الذي تحتل ليبيا نصف شواطئه تقريباً بما يوفر لهم تواجداً في منطقة مهمة تسمح لهم بالسيطرة على بحار وممرات العالم، وهذا ما لم يعلن عنه ويصرح به المتحاورون والدافعون نحو التوجه إلى الانتخابات والدفع لإجراء تعديلات دستورية تطرح على موائد الجدل والنقاش كلما اقتربنا من هذا الاستحقاق والذي لن يحدث طالما الآلية الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة وتوفر لهم الاستمرار في مد عمر المراحل الانتقالية وبأشكال وأساليب مختلفة حتى يتمكنوا من إيجاد آلية انتخابية لا يمر عبرها إلا من هو كارزاي أو مالكي.
علينا أن نبين للعالم والمتدخلين في الشأن الليبي أن يتوقفوا عن فرض رؤاهم وتصوراتهم علينا، وأن النظام الذي يتم التأسيس له وتثبيته لم يلق قبولاً من الليبيين ولم يطرح عليهم، بل هو فرض بقوة الأمر الواقع، وأن جميع الأجسام المنخرطة في الحوارات ليس لها المشروعية الشعبية والقانونية، وذلك ما يترتب عليه بطلان أي اتفاقات ويفشل جميع المساعي التي تهدف إلى إنتاج نظام سياسي لا يلقى القبول الشعبي، بل يرقى إلى درجة العبث بمصير ومستقبل الشعب الليبي.
ما يجري فوق أنه تدوير للأزمة الليبية يشكل إهانة لكل ليبي، وسيضع الجيل الحالي أمام تحد تاريخي لما سيتركونه من عار للأجيال القادمة التي ستتسلم وطنا مسلوب الإرادة وفاقدا للاستقلال ويصطف في طوابير على شاطئ المتوسط محاولا العبور إلى الشاطئ الآخر للحاق بثرواته التي نهبتها شركات الدول الاستعمارية.
علينا أن نضع في حساباتنا أن الثروة التي فوق الأرض وتحتها ليست ملكاً للجيل الحالي فقط بل هي ملك للأجيال القادمة حتى لا يصبوا علينا اللعنات لأننا فرطنا في حقوقهم ولم نحفظ لهم الوطن ليجدوه عزيزاً، لا يمكن أن نغلّب مصالحنا الذاتية والأنية على مصلحة الوطن، وعلينا أن نتذكر أننا سنرحل إلى القبر بدون مرافقة الثروات التي جمعناها (الكفن ما فيه جيوب).
“باتيلي” عندما يلتقي بعض الأطراف الليبية هو لا ينقل لهم وجهة نظره الشخصية، ولا يعبر عن قناعاته وهو الذي تعرضت بلاده إلى الهيمنة الفرنسية التي لا تزال تتحكم في مخرجات الانتخابات فيها لتأتي بفرنكفوني يحمي مصالحها ويرعى استثماراتها وهو على الصعيد الشخصي ومرجعياته الثقافية تعادي الاستعمار وتعارض التدخل الخارجي، ولكن وضعه الوظيفي الذي يقوم به اليوم هو ممثل للأمين العام للأمم المتحدة وتم اختياره بعد توصية من المخابرات الأمريكية حتى يمر في مجلس الأمن دون أن يواجه بالفيتو الأمريكي. إذن هو ينقل لليبيين في رسائل من الأطراف التي لها مصلحة في ليبيا وهي معلومة ومعروفة وعندما يقدم إحاطته هو في الواقع لا يترجم واقع الحالة الليبية، ولكنه يقدم تقريرا عن تطبيقه للإملاءات التي تلقاها وهو يستلم الملف الليبي، حتى أن المتابع لجميع الإحاطات التي عرضت أمام مجلس الأمن عن تطور الأوضاع في ليبيا منذ أول مبعوث حتى باتيلي اليوم لن تجد فيها اختلافا من حيث الصياغة سوى توقيع اسم المبعوث.
لا تتوقعوا من أي مبعوث أو سفير دولة من تلك النافذة في الشأن الليبي أن يتحدث لكم بغير عزمهم ورغبتهم ومضيهم في الانتهاء من المراحل الانتقالية والذهاب للانتخابات وكله كلام يثير الارتياح ويلامس وجدان كل ليبي وليبية وخاصة عندما تتضمن الحوارات حديثا عن الأمن والاستقرار ومحاربة الفساد، وتأتي أفعالهم لتخالف تصريحاتهم تماماً، حيث يرعون الفساد ويدعمون الميليشيات ويعلنون القوة القاهرة لإيقاف الانتخابات، ويرفضون حكومة نالت ثقة ممثلي الشعب (وفق صناديقهم وديمقراطيتهم) ويدعمون حكومة أسقطها البرلمان المنتخب، هم يلعبون بعقولنا وهذا قمة الاستخفاف والإهانة، من يقبل هذا؟ لا يقبله إلا عميل أو مجند مسبقاً لتنفيذ المشروع الاستعماري في ليبيا.