هل هجر المد شطآننا….؟
محمد مخلوف
إلى متى يحس الإنسان العربي بالحسرة والألم وهو يعايش مكابدة هذه الظروف الصعبة والراهنة التي تمر بها أمتنا العربية ويسمع كل يوم من الهوان ألوانا وأصنافا؟
وكم يزيد من حسرته وتفجعه أن يرى معسكر الأعداء يتوحد عدوانا وإرهابا لضرب الأمة العربية في مقتل لإيلامها وتركيعها وصولا للهدف الذي يرمي إليه وهو تحطيمها والقضاء عليها؟
في الوقت الذي لا يري المواطن العربي أو يلمس عملا عربيا وحدويا موحدا ولو في البيانات الرسمية للدبلوماسية العربية العتيقة أو عبارات الرفض حتى يستطيع أن يواجه بها ومغالبة الأحداث التدميرية لمعركة الوجود الحقيقية التي يدك نيرانها الكيان الصهيوني وتابعوه في حرب مفتوحة علنية الدعم والشرعنة الدولية يقودها الغرب الصليبي وحلفاؤه ضد الأمة العربية والإسلامية في أهم جزء من المنطقة العربية للقضاء على حركة النضال العربي في غزة المنكوبة.
وعندما يفكر إنساننا العربي في موقعه الهام ووضعه الراهن والمؤلم وهو يرى أهدافه تغتال في أكبر عملية نفي وتهجير جماعي لأهلنا في غزة إلحاقا بالملايين المهجرين قسرا في عام 48 ويرى أيضا حجم الأخطار المحدقة بأمته العربية ومراحل تصفية قضيته العربية وتسعفه ذاكرته بماضي الأمة العربية المجيد وبما قامت به على مدى تاريخها من دور حضاري وكيف كانت دوما تتصدى لكل غزو خارجي وتنتصر على كل عدو وتغمر مياه المد شطآننا كلما كان ذلك ضروريا ضد محاولات الأعداء كان بفعل الإرادة الوطنية التي تمثل روح قوة الأمة العربية،
وعندما يفكر إنساننا العربي في كل ذلك تراه كم يكون متلهفا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مد قومي وحدوي جديد تطغى فيه أصوات موجه الزاحفة على كل صوت إقليمي متخاذل ومطبع مع العدو دون خجل وهو محق عندما يتساءل في استنكار هل هجر المد شطآننا لأكثر من سبب؟!!
فالحالة الراهنة التي عليها الأمة العربية اليوم من عجز عربي رسمي مخجل تبعث القلق والخوف في نفس كل مواطن عربي شريف وتدفعه إلى اقتحام ذلك الوضع المتردي في أن يقود المرحلة الخطيرة هذه بنفسه لإنقاذ نفسه وضمان وجوده في المنطقة العربية التي يحاول الأعداء إلغاءها من الجنس العربي والإسلامي وإعادة تشكيلها من جديد بما يضمن ما يسمى بأمن إسرائيل في المنطقة بعد القضاء عليها وتاريخها النضالي. ما لم يقم المواطن العربي بواجبه وتحرير أرضه وتقرير مصيره من خلال اختراق جدار واقعه العربي العميل والمرهون خارجيا فإن الأمور ستزداد سوءا وبذلك يشهد الجيل الجديد لا قدر الله أكبر مأساة في حياة هذه الأمة.
تلك حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو حقود على الأمة وتاريخها، فالقضية العربية الفلسطينية مسألة حياة أو موت يدفع ثمنها الشباب الفلسطيني في غزة كل يوم وهو يقام العدوان الوحشي الممنهج نيابة عن حكام الأمة الأذلاء وحجم إمكانياتها الضخمة العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي يجب توظيفها وتحريكها واستغلالها في هذا الوقت العصيب لإنقاذ حياة المواطن العربي في المنطقة العربية المتكالب عليها أعداؤها وأصبح مصيره وأمنه في الميزان ومرتبطا بوجوده من عدمه.
إن شباب الأمة العربية في غزة أصبح يشكل الصدمة الحقيقية لصناعة توقيت وكيفية المعركة على الكيان الصهيوني بعد مفاجئة العالم بضرب عمق كبرياء العدو الصهيوني المحتل في ساعات حاسمة بينت خور ووهن أسطورة إسرائيل أمام العالم وضعف قدراته على مواجهة شباب المقاومة الأبطال جعله يجن جنونه ويتخبط في حيرته ويظهر وحشيته في قتل الأبرياء المدنيين ردا لاعتباره وجبروته التي سقطت دفعة واحدة أمام عزائم شباب المقاومة الباسلة، وجعلت أيضا هذه الضربة العربية القاصمة لظهر العدو العالم في موقف محرج تماما وقدرته في السيطرة الدولية بمختلف مؤسساته في تنفيذ القانون الدولي على العدو الغاصب لفلسطين أو احترام المعاهدات والأعراف الإنسانية والدولية وحماية المدنيين وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات البراقة التي يرفعها كذبا وزورا وبهتانا.
ورغم المأساة وتداعيات هذه الحرب العالمية المفتوحة المدعومة والمشرعنة دوليا في التصميم على قهر الإرادة العربية وفرض الأمر الواقع الذي يريد بما يستجيب لمخططاته وتحقيق المزيد من مصالحه وما تلاقيه من اهتمامات دولية في كل الأوساط واللقاءات والاعتراف بالقوي ظلما ضد أبناء الأمة العربية والإسلامية فإن شباب الأمة العربية المقاوم يزداد صمودا وقوة الإيمان بالقضية المصيرية واسترجاع حقوقه المشروعة وأرضه المحتلة لأنها فتحت له المجال في القيام بواجبه المفروض عليه حتما وهو يقاوم الظلم والطغيان وعصابات الكفر الصهيوني المحتل ويقدم أسمى معاني النضال والكفاح الوطني والقومي من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، إيمانا راسخا بأن المخرج الوحيد للقضية الفلسطينية والأمة من محنتها الراهنة هو من صنع قواها الذاتية وعدم التعويل على الدبلوماسية العربية أو مهاترات الخارج.
وتصر على التحرير الكامل للأرض العربية الذي هو هدف مقدس وستسفه كل هؤلاء الذين يحاولون عبثا وتطبيعا مع العدو الصهيوني المحتل طمس وجود هذه الأمة العربية والإسلامية ولن ترضى التفريط في شبر منها لأن ذلك تفريط في وجودها وكرامتها.. وأن للحرية ثمنا باهظا يجب أن تدفعه الشعوب دائما فهي لا تقهر.