مقالات الرأي

ثنائية الحق والباطل

ناجي إبراهيم

عمي الحاج الهليب -رحمة الله عليه- حينها كان عمره تسعين ونيفا وهو الذي لم يدخل مدرجات كليات الحقوق ولم يسمع عنها ولم تزكه المخابرات الأمريكية ليترأس لجنة من لجان الحقوق والحريات في الأمم المتحدة وحتى هذه لم يعرفها وعندما التأم اجتماع سان فرنسيسكو كان لا يعرف جهاز (الترنزستور) وهو ينقل عبر أثيره ميلاد التنظيم الدولي (الأمم المتحدة) ورغم ذلك كان متيّقنا ومؤمنا بأن (الحق يحق والباطل يبطل) وكأنه يذّكرنا بالقاعدة القانونية (الحقوق لا تسقط بالتقادم) ويرتبط بها مقاومة الشعوب والمرتبطة بالحقوق لا تسقطها أباطيل الهمجية والوحشية والبربرية مهما امتلكت من وسائل القتل ومهما تفننت في إيجاد المبررات والحجج للتغطية على همجيتها وبربريتها ووحشيتها.
ثنائية الحق والباطل وما تفرع عنها من ثنائيات منذ ثنائية الشرك والإيمان حتى ثنائية الحرية والعبودية والاحتلال والاستقلال كانت هي أساس الصراع الذي يجري في كوكبنا عبر العصور والزمان وبمساحة جغرافيا العالم وفي كل مرة ينتصر فيها الحق، وفي جميع المواجهات بين المحتلين ومقاومة الشعوب كانت الغلبة للشعوب، وانتصرت قيم الحرية وانهزمت أدوات القمع على يد المخلّصين والدعاة والرسل، ستستمر هذه الثنائية وسيتواصل الصراع وفي كل جولة سيكون النصر حليفاً للحق.
الحرب التي تشنها آلة القتل الصهيونية مدعومة من حلف الأطلسي وقوى الاستعمار على الشعب الأعزل في فلسطين تظهر حجم الحقد والهمجية في محاولة لتغليب قانون القوة على قوة القانون لم ولن يفلحوا، الفلسطيني الذي يخرج من تحت الركام والدمار والخراب ومن برك الدماء لن يتنازل عن حقه في الحرية، ولن يتخلى عن ترابه الذي تضمخ بدماء الشهداء وسيمتلئ حقداً على العدو ويزداد إصراراً على تمسكه بأرضه وحقه ولن يغادرها إلا إلى القبر، تحاولون عبثاً وتنحتون في الصخر، هذا الذي يواجهكم بإيمانه وعزيمته وثقته في النصر والعودة لم يولد عام النكبة ولم يشهد مذابحكم ومجازركم في دير ياسين، ولكنه يشهد مذابحكم اليوم في خان يونس ودير البلح والبريج وبيت لاهية ورفح وفي كل سنتيمتر وصلته صواريخ حقدكم، التي ستملأ صدره حقداً وتزيده تحدياً وتصدياً لآلة قتلكم، في كل صباح تقتلون فيه فلسطينيا يولد عشرات يرفعون شارة النصر وسيحققون النصر، وسيهزم الجمع ويولون الدبر، لن تكونوا الغاصب الأول أو الأخير الذي هُزم والذي سُيهزم على يد مقاومة الشعوب وتلك المواجهات والمعارك لن تخرج عن ثنائيات الحق والباطل وكما ذكرناكم وسنذكركم ما واجه الحق الباطل في جميع المواجهات وإلا وكانت الغلبة دائما للحق.
التاريخ شاهد على صدق هذه المعادلة ليس بالبعيد جداً خرجت فرنسا من الجزائر وأسقطت ما قالت عنه حقاً لها فيها، المقاومة الجزائرية التي قادها مجاهدو الجبهة الشعبية الجزائرية الذين ولدوا بعد احتلال الجزائر بمائة عام ولم يشاركوا عبدالقادر الجزائري معاركه في مواجهة الاستعمار الفرنسي، بل بعضهم درس في مدارس فرنسا وتخرج منها وانتصرت الجزائر وهزمت فرنسا.
عمر المختار وهو يُساق إلى المشنقة أخبر شانقه أنه سيواجه الجيل القادم ولم تكتب له الحياة ليعيش ميلاد الضباط الأحرار الذين ثأروا لدماء الشهداء الذين واجهوا باطل إيطاليا عشرين عاماً حتى لا تصبح ليبيا الشاطئ الرابع لروما.
الولايات المتحدة ذهبت بطائراتها وأساطيلها ودباباتها وجمعت معها الحلف الأطلسي لمحاربة ما يسمى بالإرهاب في أفغانستان وشاهدنا هروبها المخزي والمذل بعد عشرين عاما أمام ضربات المقاومة الأفغانية.
هذه شواهد من التاريخ القريب نسوقها لبعض ممن يسمون أنفسهم محللين ونشطاء ومهتمين بالقضايا السياسية الذين يحاولون الربط بين مقاومة الشعب الفلسطيني وبعض المتغيرات التي تحدث في العالم، ويعتبرونها جزءا من التحالفات التي تقودها بعض الدول الإقليمية وقوى أخرى في العالم، ونزعها عن جذورها التاريخية ونكران أظنه مقصودا بل ممنهجا لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
قضية فلسطين، قضية تحرر وطني لا يجب أن يتم الزج بها في الصراعات الدولية والإقليمية، وعلينا الانتباه للأصوات التي تحاول تزوير التاريخ وتحويل قضية الشعب الفلسطينية إلى صفقة سياسية أو ورقة من أوراق التفاوض للقوى المتصارعة في الإقليم أو خارجه، هذا لا يعني أنه لا يحق للمقاومة الفلسطينية التحالف مع القوى الإقليمية والدولية طلباً للدعم العسكري والسياسي ذلك حقها المشروع الذي تتطلبه عدالة قضيتها.
محاولات البعض ربط مقاومة الشعب الفلسطيني ببعض الملفات السياسية في الإقليم والمنطقة تكذبه الوقائع والأحداث التاريخية وتجاهل لأساس وأصل الصراع العربي الصهيوني الذي بدأ بإعلان فلسطين وطنا قوميا لليهود بوعد بلفور قبل قرن من الآن، ويجب أن يدرك الذين يحاولون القفز على وقائع التاريخ أن مقاومة الشعب العربي الفلسطيني لم تبدأ مع طوفان الأقصى وكان هذا الطوفان نتيجة للعدوان الصهيوني المتكرر على فلسطين أرضاً وشعباً وليس سبباً للعدوان الهمجي البربري الوحشي الذي تشنه قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وبمباركة الدول الاستعمارية الإمبريالية في محاولة للقضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني المستمرة والتي انطلقت مع أول تأسيس لدولة الكيان الصهيوني عام 1948.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى