التجربة الإنجليزية (2)صاحبة الكشك
فتح الله سلطان
لندن عاصمة الضباب! في أحد أيام ربيع عام 1970م وأثناء نزولي سلالم محطة مترو أنفاق (Russell square) الصخرية بلندن تجاوزني بعض الشبان مسرعين وإذ بأحدهم يصطدم برجل عجوز كان صاعدا فوقع على حافة العتبة الحجرية فشجت جبهته وتدفق الدم منها! لم يكترثوا لما حصل واستمروا في سيرهم وهم يتصايحون.
حصل هذا المشهد أمامي مباشرة فأسرعت إلى الرجل ووضعت منديلاً لي من القماش على الجرح وضغطت بقوتي لإيقاف النزيف وكنت أتطلع إلى المارة في حيرة من أمري لعل أحدهم يساعد أو يهتم، للأسف لم يولني أحد أي اهتمام، البعض ممن لديه الفضول كان يلتفت ناظرا إلينا وهو سائر، وبعد أن جمعت ما تبعثر مما كان بالكيس الورقي من طماطم وبطاطا ذهبت للأسفل حيث المحطة فوجدت كشكا فيه سيدة عجوز وأخبرتها بالذي حصل وقبل أن تخرج معي أجرت اتصالا هاتفيا بجهة ما.
وعندما رأت المنديل على جبهة الرجل قالت لمن هذا المنديل؟ فقلت لها إنه لي، فقالت بلهجة صارمة خذه واذهب وعندما لاحظت ترددي قالت بحدة مرددة اذهب اذهب فورا!!! وهكذا أخذت المنديل وغادرت فورا.
كنت أتوق لمعرفة سبب تصرفها الجاف؟ وأخيرا وبعد عدة أيام وجدتها في كشكها وبعد التحية قلت لها أنا الشخص الذي أبلغتك عن الرجل المصاب على السلالم، وقلت لها يا سيدتي لم أفهم إصرارك على المغادرة فورا من المكان!! فسألتني من أي بلد أنت؟ فأخبرتها من ليبيا، قالت إنّ ما قمت به من عمل إنساني يدل على أنك لست من مواطني هذا البلد، وكنت أحاول إبعادك عن المكان بأسرع وقت لأنني أتوقع أن تتعرض لمشاكل أنت في غني عنها إذا جاءت الشرطة وأخبرتهم بما فعلته مع الرجل المصاب، فمن الطبيعي أن تقوم الشرطة باستجوابك ومن ثم تحديد إقامتك في المدينة وعدم مغادرتها إلى حين أن يفوق الرجل من غيبوبته، ولربما يكون رجلا سيئا فيتهمك متعمدا بأنك السبب في الحادث بغرض ابتزازك، لهذا طلبت منك مغادرة المكان لإبعادك عن مشاكل قد تحصل وسين وجيم أنت في غنى عنها!!
فجأة قالت لعلك لاحظت بأننا في أوروبا وأمريكا نولي اهتماما بالغاً وعطفاً كبيراً للحيوانات ونقدم لها كل الخدمات!! فقلت نعم لقد لاحظت ذلك، وأضافت وكما تعلم فإن الله خلق الإنسان وأودع في نفسه شحنة من العاطفة، ولكن عندما تعاطف مع أخيه الإنسان وقدم له المساعدة قابله الجحود والنكران والمشاكل، ومع مرور الوقت ازدادت المصائب والمشاكل مقابل هذه المساعدة إلى أن وصل الحال إلى إحجام الناس عن مساعدة بعضهم البعض حتى القطيعة، هذا وبعد تجارب الإنسان وجد أن الحيوان هو البديل الوفي المخلص عكس جحود أخيه الإنسان تماما!!
. خلاصة القول هو أننا سائرون تلقائيا بنفس الخطى بعدم تقديم المساعدة للناس خوفا وتفاديا للمشاكل والأضرار التي قد تحصل نتيجةً لهذا التعاطف. (أي نفسي نفسي وبس).