مقالات الرأي

كنتِ الأقوى

عفاف الفرجاني

كنتُ وما زلت أشد إعجاباً ودعماً للمرأة الفلسطينية ودورها الفعال والعظيم تجاه قضيتها بإنتاج جيل قادر على حمل رسالة آبائه وأجداده من أجل تحرير أرضهم من الغازي الصهيوني، على الرغم من بعض الإقصاء الاجتماعي لدورها النضالي والتربوي (من قبل وسائل الإعلام العربي)، وكيف استطاعت السيدة الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة مع غياب الشريك ورب الأسرة في معظم الحالات، القيام بواجبات متعددة صنعت منها المرأة الخارقة، حتى أصبحت مثالا يحتذى به بين نساء العالم وتحديدا نحن العربيات، ومررنا نحن الليبيات ومنذ عقد من الزمن بتجربة لا تقل ضراوة عن ما مرت به الفلسطينية، بل ما حدث قد يفوق ما فعله الصهاينة بنساء فلسطين، أثبتت المرحلة في ليبيا قوة وصلابة المرأة الليبية في مواجهة التحديات والصعوبات التي كانت ضمن تداعيات المرحلة لتصنع مَن الليبية سيدة المواقف الصعبة، فتجاوز دورها تربية الأبناء لتصبح هي المعيلة والمواجهة الأولى للأسرة، فالمرأة الليبية عاشت على أعراف اجتماعية معينة، منها ألا تعمل خارج نطاق بيتها وخاصة في الظروف الراهنة، وتحديدا عقب انتشار الفوضى والانفلات الأمني، فقد واجهت المرأة هذه التحديات بنجاح باهر وغير مسبوق من خلال أعمال ذاتية، لتبدع ويصدر إنتاجها إلى خارج حدود طموحها وحاجاتها، فقد كبلت الليبية بأعراف وليدة ظروف سادت مؤخرًا المجتمع الليبي، لتهمش وتقزم دور المرأة، ليصل الأمر حتى إلى إسكاتها عن الجدال الوطني الذي يخص بلادا هي جزء لا يتجزأ منه، إلا أن إصرارها على المعرفة والمشاركة في إنقاذ الوطن، جعل من ثقافتها التي هي جزء من تركيبة كيانها الدور المحوري ووسيطا في نقل التحديات التي فرضتها الفترة الراهنة وكل ما تحمله من تخلف وخنوع، الليبية لم ترضخ للردة الفكرية والاجتماعية التي تعرضت لها منذ ظهور ما يعرف بالمجلس الانتقالي، والذي حاول ترسيخها ودعمها فكريًا لتجسد واقعًا لا مناص منه، بل استطاعت تحديد موقعها برفضها الوصاية الذكورية عليها، فالكثيرات منهن دفعن ضريبة مواقفهن السياسية والاجتماعية والثقافية ليصلن لحد التصفية الجسدية، ناهيك عن الإقصاء المهني والاجتماعي، المرأة الليبية لها خصوصية عن بعض نساء المنطقة، فهي سيدة لم تنتزع حقوقها السياسية والاجتماعية انتزاعا، بل قدمت لها من خلال نظام تساوت فيه الحقوق والواجبات ولم يغب فيه مبدأ المشاركة لتجد نفسها تعود للقيود مرةً أخرى، فرفضت هذا القيد لتثبت أنها سيدة المرحلة، لم يكن هيناً تحرر نسائنا من سطوة وهيمنة الرجل الرجعي الذي ضرب بعرض الحائط كل القوانين والتشريعات واللوائح لينصب نفسه وليا على المرأة في دولة حاول فيها الإسلام السياسي تطبيق قوانينه المجحفة على المجتمع لتكون ضحيته الأولى المرأة، فالمرأة الليبية هي صنيعة نظام أجاد بناءها فكريا واجتماعيا، ودعمها بقوانين وأعراف تجعلها في مستوى المسؤولية، فعند قياس نسبة الأمية في المجتمعات نجد ليبيا من أوائل الدول التي حاربتها لتصبح في مصاف الدول المتحررة من الأمية، وهذا مؤشر طبيعي وانعكاس واضح للدور الذي تقدمه، والذي ليس سهلاً أن تقوم به مرأة في مثل الظروف التي تمر بها ليبيا الآن، المرأة الليبية ضربت مثالاً حقيقياً لصمود المرأة العربية المسلمة، تحملت على عاتقها مسؤولية العائلة والعمل، وأثبتت وجهودها بكونها كيانا يمثل نصف المجتمع، حتى في المهجر وفي الشتات استطاعت أن تقول أنا موجودة، مع أن مسألة تحرير المرأة من شرنقة الاستعباد المجتمعي ليست كما يعتقد البعض، فهي حرب متبادلة بين الطموح وبين الاستعباد لذات المرأة، إن نضال المرأة الليبية اجتماعيا ومهنيا وحتى سياسيا، وبعد هذه العشرة العجاف، أسفر عن حالة من الاستقلالية فرضت على العرف المستحدث لتكون فيه المرأة هي ربة البيت وهي الداعمة اقتصاديا للأسرة وهي العاملة التي تساهم في النهوض بوطن أثقلته الحروب وتكون صاحبة الفكر لتقود رجالاً أجبرتهم قناعاتهم على الإيمان بدور المرأة فكانوا السند لها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى