مقالات الرأي

تقية البيانات والطابور الخامس

ناجي إبراهيم

طوفان الأقصى لم تغير مجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية وحسب، بل غيرت التوجهات والتموقعات في ساحات أخرى عربية وإقليمية وأنتجت اصطفافات وتحالفات وحتى مواقف قلبت جميع المعادلات واختلط فيها اليمين واليسار وتوحدت الألوان وتصادم الخصوم وتقاطعوا في بيانات وإعلانات بعضها يدين ويندد ويشجب وأخرى تؤيد وتدعم.
السؤال: هل هذه الاصطفافات والتحالفات والتوجهات جديدة وتعبر عن تبدل في النظام الدولي وتنقل منطقتنا من اليمين الأمريكي إلى اليسار الروسي الصيني؟
هل يمكن أن تتحول فصائل تحالفت مع الغرب وهو (يحارب داعش) إلى مقاومة لوجوده وهو يتحالف مع حكومة نتنياهو وهي تحارب المقاومة الفلسطينية؟
هل انقلب السحر الأمريكي عليه وهو يخلق جماعات من وسط فكر (البنا) لتخوض معه معركته ضد داعمي مقاومة الشعب الفلسطيني لتتحالف ضده في حربه على (حركة حماس)؟
هل ستحارب تركيا الحلف الأطلسي في فلسطين وهي التي شاركت معه حربه على ليبيا عام 2011؟
نحتاج إلى بعض الوقت لنميز بين الخبيث الاستخباراتي والطيب المقاوم ونحن نشهد هذا التداعي الإعلامي الذي لم نلمسه على الأرض، لن نستطيع أن نفهم مواقف بعض الفصائل العراقية التي تشكلت تحت مظلة الاحتلال الأمريكي ووظفها لحروبه التي خاضها في المنطقة منذ الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين وحتى فزاعته (داعش)، ولم نفهم بيان الإخوان في ليبيا الذي يدين المجازر التي ترتكبها الآلة الحربية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وهي التي قاتلت تحت راية حلف الناتو قوات الشعب المسلح في ليبيا، وأين سنصرف تصريحات (صلاح بادي) وهو يهدد القواعد العسكرية الإيطالية والأمريكية بالكلية العسكرية بمصراتة إلا أنه صحوة متأخرة من مفعول (الترامادول) ليكشف لنا عن حقيقة أنكرتها حكومات فبراير طيلة عشر سنوات؟
ليس فقط الغرب الذي يعاني الشيزوفرينا وازدواجية المعايير، كيف لنا أن نفهم ونستوعب هذه التحولات الدراماتيكية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من الحضن الأمريكي إلى مواجهتها من متاريس غزة من الانصياع الأعمى للمشروع الاستعماري إلى مواجهته في فلسطين؟
أين نضع الموقف التركي إلا في إطار تبادل المنافع وتصادم المصالح (البرغماتية) أو أنها تأتي في إطار ابتزاز سياسي اعتادت تركيا ممارسته في علاقاتها مع الغرب والمنطقة وحتى حليفها الأمريكي، ومن هنا نستطيع فهم تبدل موقف الرئيس أردوغان بعد مرور أسبوعين على مجازر الصهاينة في غزة وكان بعث معزياً نتنياهو في قتلى عملية طوفان الأقصى منذ اليوم الأول وجاء بيان مجلس الدولة الإخواني في طرابلس في خانة صدىً للصوت الذي صدر في أنقرة وهو يعلن وقوفه مع غزة مستثنياً فلسطين دون أن يلحقه بأي إجراءات عملية كإغلاق سفارته في الكيان الصهيوني أو طرد سفير الكيان الجالس في أنقرة.. ألم نقل لكم يستحيل أن يستوعب مثل عقلي الصغير وغير المطّلع على الاتصالات السرية وتبادل المواقع والاختباء خلف التصريحات المعلنة لتصريفها في أماكن ومطارح أخرى موازية.
ما يكشف عن الانفصام الذي يعاني منه مجلس الدولة الإخواني هو إحالة بيانه بخصوص ما يجري في غزة إلى البرلمان لتحويله إلى قرارات ونسي أنه قبل أيام اعترض على قرارات البرلمان بخصوص القانون الانتخابي وعدّها غير دستورية ولم تصدر بتوافق معه، إضافة إلى يقيني أن هذا البيان صدر من أنقرة لدعم موقف أردوغان المتحوّل لمصلحة تركية لا ناقة لنا فيها ولا جمل نعتبره ابتزازا وإحراج للبرلمان الذي كان قد أدان العدوان على فلسطين في وقت مبكر جداً.
إن محاولات تركيا لتحريك أذرعها في ليبيا واستخدام سلاح النفط هو ابتزاز سافر لا يخدم مصلحة ليبيا التي تصطف مع فلسطين بشكل مبدئي وراسخ وهي التي تحمّلت أعباء الحصار والحظر أكثر من أربعين عاماً وخاضت معارك ضد الغرب الإمبريالي الذي يدعم الكيان الصهيوني في مختلف الساحات، وكانت تمّول بالمال والسلاح جميع حركات المقاومة الفلسطينية، عندما كان الإخوان يعيشون في كنف بريطانيا يتآمرون معها ويقدمون لها المعلومات ويشيطنون سياساتنا ومواقفنا ويصنفوها على أنها دعم للإرهاب.
لا نمانع ولا نعترض على إدانة المجازر الصهيونية ضد أهلنا وإخوتنا في فلسطين واتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تكف يد الدول الداعمة لإبادة الشعب الفلسطيني ومنها استخدام النفط، لكن عندما تصدر هذه المواقف من أطراف نعرف توجهاتها وتاريخها في التعاون مع أعداء الأمة وما قامت به من خدمة للمشروع الاستعماري في منطقتنا ودولة الكيان رأس حربته وقاعدته يجب أن نشك في صدقها وهي التي تدار من المخابرات الأمريكية والبريطانية.
بعد مرور أكثر من عشرين يوما على العدوان الصهيوني على غزة وآلاف من قوافل الشهداء يصدر مجلس الإخوان بياناً يدين ويجرّم فيه العدوان وبعد يوم على تبدّل الموقف التركي من معزٍّ للصهاينة إلى داعم لغزة وحتى لم يذكر باقي الجرائم التي تُرتكب في الضفة الغربية.
من هنا يأتي التشكيك في مثل هذه البيانات وصدق من يصدرها، وبذلك تصبح لا تساوي الحبر الذي كتبت به ونشك في جديتها ولابد من قراءتها في إطار تحالفاتهم القديمة والحديثة ولا بد من فهمها من خلال توجهاتهم وارتباطهم بالمشاريع الاستعمارية في المنطقة وتعتبر طابورا خامسا يتغلغل من خلال البيانات لإحداث شرخ وتصدع في بنيان المقاومة الحقيقية والمشروعة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى