مقالات الرأي

السلام الإبراهيمي مسرحية هزليّة

محمـد علوش

ليس سوى مشروع إمبريالي صهيوني كبير يحمل اسم إبراهيم النبيّ، الذي جعل شعاراً براقاً من قبل جهابذة النظام الاستعماري الجديد لتمرير مشاريع خطيرة، تستهدف الصهيونية والإمبريالية الممثلة بالإدارة الأمريكية فرضها على المنطقة في إطار رؤية جديدة قد تمتد عقوداً طويلة، وتكريسها منهجاً جديداً تحت لافتة الدين الإبراهيمي الجديد والسلام الإبراهيمي المزعوم بأجندات سياسية واقتصادية وأمنية لفرض الإرادة الصهيونية على أتباع الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، باعتبار أن “إبراهيم” مرجعية لكل هذه الديانات “التوحيدية”.
إن أخطر المشاريع هي المشاريع التي تستند لمرجعيات دينية مشوهة ومحرفة وتلمودية بالأصل، والتي يراد من خلالها ترجمة السيادة الصهيونية – الإمبريالية على العالم ككل وعلى منطقة الشرق الأوسط بالذات باعتبارها بؤرة صراع حضاري غير تقليدية وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الفلسطيني – الإسرائيلي.
قبل سنوات عقد مؤتمر للدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة حول “الدين الإبراهيمي”، وهذا المؤتمر لم يكن بريئاً بأجنداته وأوراق عمله ومخرجاته التي شارك بها ممثلون عن الأديان الثلاثة وباحثون مختصون بتاريخ الميثولوجيا والتاريخ التوراتي، واليوم تسعى الإدارة الأمريكية برئاسة باين لتكريس ما يسمى السلام الإبراهيمي، وأساسه تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، وسبق أن قام “صندوق إبراهيمي” وبمشاركة دول عربية لإقامة مشاريع في القدس المحتلة لصالح الأطماع الصهيونية فيها عبر سلسلة مشاريع لها علاقة بالسياحة والاستثمار والإعمار وبناء الفنادق والجسور والطرقات تمهيداً للخطوة القادمة التي ستشكل تكريساً وتأبيداً للاحتلال في القدس بتواطؤ عربي – إسلامي من قبل المنخرطين بمسرحية سلام إبراهيم ولافتات إبراهيم الكثيرة التي يروج لها الصهاينة وشركاؤهم في إدارة الرئيس الأمريكي الذي يعلنون جهاراً نهاراً أنهم صهاينة منغمسون بالفكر التوراتي التلمودي والخزعبلات التي ينسبونها لإبراهيم، والتي يكذبها التاريخ والواقع.
إن السلام الإبراهيمي أكذوبة العصر، وقد فرضت الإدارة الأمريكية وصايتها وقراراتها على أتباعها الصغار في المنطقة العربية لركوب الموجة الإبراهيمية والترويج لها، بل وتوقيع اتفاقيات تطبيع وعلاقات رسميّة ومباشرة بينها وبين كيان الاحتلال، كما جرى مع بعض الدول، وكما يجري مع دول أخرى يتم استدراجها للمشاركة في هذه المهزلة المكشوفة.
بكل أسف لم نقرأ التاريخ جيداً، وفي غفلة من الزمن أصبحنا في قاع العالم وفي ذيل الأمم، والعرب اليوم يقفون عاجزين أمام حجم المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي يستهدف هويتنا العربية وحضارتنا ووجودنا المصيري، وهذه المرة عبر البوابة الدينية وسلسلة الأكاذيب والترهات والمزاعم التي يدعيها أصحاب المشروع الإبراهيمي.
إن السلام الإبراهيمي، وما بات يعرف أيضاً بالسلام الإقليمي لا يمكن أن يكون بديلاً عن السلام الفلسطيني، والسلام لا يتحقق بالكذب والاحتلال وقوة العدوان والحرب الإمبريالية والتشويه الثقافي والإعلامي، والسلام – أي سلام – لا يتحقق إلا بتوافر الإرادة وتحمل المسؤولية والاستعداد لدفع استحقاق هذا السلام، والسلام الذي نريده كفلسطينيين هو سلام الحقوق الوطنية الفلسطينية، وسلام الدولة الفلسطينية المستقلة، سلام القدس وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى، سلام يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ويضمن الحقوق وينهي الاحتلال ويرفع راية الحرية لفلسطين وشعبها.

زر الذهاب إلى الأعلى